عبدالمجيد التركي
لو فكرت أن أحصل على الجنسية الأمريكية وأهاجر من هذا البلد إلى غير رجعة، هل سأُعتبر خائناً!! أفكِّر أن أكون أمريكياً، رغم النداءات المتكررة بالموت لأمريكا.. أفكر أن أكون دانماركياً، رغم الدعوات الموسمية لمقاطعة البضائع الدانماركية.. أفكر أن أكون أي شيء لأعيش حياة كريمة كما أراد الله لي، وليس كما يريد الساسة والمحتربون. سأفكر في الحصول على جنسية أخرى.. سأخون وطني قبل أن يغتالني.. سأبحث عن وطن يؤمِّن لي ولأولادي الحياة، لا وطن يمنحني الموت مجاناً على الإسفلت المهترئ.. وطن لا يهتف بالموت لأحد، ولا يحشر الجهاد والقتل في المناهج المدرسية.. وطن لا تكون أناشيده ملغومة بتمجيد الموت والحنين إلى الجرامل والأوالي.. وطن لا يقدِّس الموتى، ولا يمجِّد حامل السلاح. في هذا البلد، لم يعد أحدٌ يطمح إلى شيء قدر طموحه أن يعيش بأمان، وأن ينال حقوقه التي هي من بديهيات المواطَنة، وأن ينال أطفاله تعليماً ورعاية صحية، ومستقبلاً زاهراً.. أريد أن أجرّب معنى القانون، وأشعر باستنادي عليه قبل أن أغادر هذه الحياة.. القانون الذي نسمع عنه في خطابات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الداخلية، كما لو أنه نكتة قديمة وبايخة. القانون الذي صار شبيهاً بإعلان "بسكوت الأفراح أخذ قلبي وراح"، الذي لم يعد موجوداً، ونريد أن يستمر الإعلان عنه لنخبر الأجيال القادمة عن حلاوته، من باب الترحُّم على أيام زمان.. تماماً مثل القانون الذي اندثر، وما زالوا يلوكونه في خطاباتهم التي تشعر بعدها أنك مصاب بالبلهارسيا. سأبحث عن وطن بديل يعرف معنى ثقافة الورد.. وطن تجد فيه الأطفال يمارسون الرسم ويرضعون الموسيقى ويغنُّون للحياة، بعيداً عن أغنية "لما نستشهد بنروح الجنة" التي يحفظها أطفالنا عن ظهر قلب. * العنوان للشاعر الراحل محمد الماغوط.