اليمن اليوم

كنا، قبل أيام، في مجلس أثير فيه دور الأسرة والمدرسة في تنشئة الأطفال والتلاميذ والطلاب على حب التحصيل الدراسي، والتزام السلوك السوي.. قال قائل: إن وكيلة مدرسة في العاصمة عنَّفت طالباً في المرحلة الأساسية بسبب سوء سلوكه، فجاء والده في اليوم الثاني يهدد وكيلة المدرسة ويشتمها، وبعد أن غادر الوالد، قال معلمون للوكيلة: أنت مخطئة، وتستحقين ذلك التهديد وتلك الشتائم.. قالت لهم: تعرفون أن ذلك الطالب سيئ السلوك، وتقولون عني مخطئة لأني حاولت تقويمه؟ قالوا: نعم هو كما قلت، لكن هذا وأمثاله لا فائدة منهم، ولأنهم مصدر أذى لنا فلننصف أنفسنا منهم بتشجيعهم على الاستمرار في سلوكهم السيئ، حتى لا يصلح حالهم اليوم، ولا في المستقبل! قلت: يا ساتر.. هل قال المعلمون ذلك حقاً؟ قال الناقل: قالوها، وإني على يقين من ذلك.. قلت: المدرِّسة هي وكيلة المجتمع، والمعلمون وكلاء الأسر اليمنية، وما قيل يعتبر خيانة للوكالة، بل ودليل على أن ثمة اختلالاً في القيم، فالقيم الفاضلة للمجتمع تُنقل إلى الأجيال المتعاقبة عبر المعلِّم والكتاب والإدارة التربوية، كما تُنقل إلى الطفل عبر الوالدين وسائر أفراد الأسرة.. وأولئك المعلمون التزموا موقفاً أو قيمة أخلاقية وسلوكية دخيلة سلبية.. قال صديق: طرأت قيم جديدة سلبية، وتبدلت قيم، واندثرت أخرى، فأين هي اليوم القيم العليا، الدينية، والوطنية والأخلاقية، والاجتماعية، والثقافية، مثل: الصدق، والشجاعة، والأمانة، والعفة، والنزاهة والإخلاص، والصبر، والرحمة، والعطف، والتضامن، والتعاون، والولاء الوطني، والمسؤولية، والحفاظ على المصلحة الوطنية والبيئة، والتفكير الحر، وحب الفنون؟ ما بقي منها إلا اسمها.. خذ مثلاً قيمة الصدق، فالسياسيون والمسئولون الحكوميون يكذبون، والإعلام يكذب، وهذا يجعل الصدق بلا قيمة، ثم أن المجتمع كان أيام زمان محكوماً بقيم نابعة من دينه وتراثه الثقافي والاجتماعي، وتاريخه، بينما اليوم عنده مصادر جديدة لقيم جديدة سلبية يكتسبها من الانترنت والتلفونات والفضائيات وغيرها من وسائل التأثير الكثيرة والقوية في زمن العولمة هذه.. قلت: ربما، ولا نستطيع الجزم، لكن قولك مهم، فموضوع القيم في مجتمعنا يتطلب إجراء دراسات علمية لمعرفة مستوى التزام أفراد المجتمع- في المدن والأرياف- بها، وما بقي من القيم الإيجابية المتوارثة، وما تبدل منها وما استجد من قيم جديدة، وتأثيرها جميعاً في سلوك الأفراد والجماعات، وهي قضية يصعب معرفتها إلا من خلال دراسات علمية موثوق بنتائجها، لكن من سيقوم بهذه الدراسات؟ قال: الموضوع يحتاج مجموعة دراسات نعم، لكن حسبنا لو بدأ مركز دراسات حكومي بواحدة.