اليمن اليوم

ارتبطت "البِكَّارة" في مفهومنا الشعبي بالرزق، ولا بد أن نصحو باكراً، لأنها ساعة تقسيم الأرزاق.. وكان الأوائل يقولون، ولا زال هناك من يقول: "البُكَر فيها النُّصَر".. حتى أنهم يوردون نكتة مفادها أن الرئيس الأسبق أحمد الغشمي سأله أحدهم: كيف أصبحتَ رئيساً؟ فقال "طاعة الوالدين وقومَة فَجْر". ولا بد أن تستيقظ باكراً، تنفيذاً لعبارة "بكِّروا تُنصروا"، حتى ولو لم يكن لك أعداء تريد أن تنتصر عليهم!! باب الرزق مفتوح طوال اليوم والليلة، وليس محصوراً على ساعة معينة من الصباح الباكر، ثم يُقفل باب تقسيم الأرزاق.. لكن ربما أن هذا القول ليس سوى تشجيع على الاستيقاظ المبكر وذمّ النوم وكراهته.. وستسمع حديثاً ضعيفاً يستشهد به أحدهم حين يوقظك وهو يقول لك "بورك لأمتي في بكورها". البكَّارة، لم تعد مقتصرة على الرزق فقط، فقد انتقل عدواها إلى الحب ولقاء الأحبة.. وكنت أستغرب عندما أسمع هذه الأغاني وأنا صغير، فأتساءل: لماذا تخرج النساء في هذا الوقت المبكر، وكنت أقنع نفسي بأنهن موظفات في مصنع الغزل والنسيج، قبل أن يتم دفن هذا المصنع الذي كان يغطِّي احتياجات اليمن بأكملها. وقد امتلأت الأغاني اليمنية بمثل هذه الشواهد.. فجميعنا سمعنا أغنية "بكَّر غبَشْ قبل الطيور ماشي"، وأغنية "أخفى من الصبح لاقيته وهو يجري".. وأغنية "صادفته اليوم فجر أول".. وأغنية "يا صبايا فوق بير الماء والدنيا غَبَش".. كنت أبرِّر هذه البكَّارة بأن هؤلاء النساء قرويات، ولا بد أن يستيقظن باكراً لجمع الحطب وممارسة الزراعة.. لكن حين سمعت أغنية "صنعانية مرَّت من الشارع غَبَشْ".. أدركت أن البكَّارة ليست محصورة على نساء القرى فقط.. المهم بِكَّارة، حتى ولو مابش معك عمل.