اليمن اليوم

تعتبر إيران مجتمع عمران (مدن) منذ أقدم العصور، وفي هذا البلد تكثر مساحات الأراضي الزراعية، والغابات والمياه والأنهار، كما عرفت الصناعات المتنوعة، والحرف اليدوية منذ القدم، وقيل إن أول سجادة يدوية في العالم نسجت في إيران قبل نحو 2500 سنة.. في المدن تتجاور المباني وتتداخل، مما يجعل العلاقة بين السكان علاقة تواصل مستمر، وفي المواقع الصناعية يتعلم الناس قيم المشاركة، وفي الغابات تعيش الحيوانات معا، وفي الأرض الزراعية تتجاور النباتات والأشجار وتتشابك، ووجود الأنهار ووفرة المياه، والمساحات الخضراء، تجعل الإنسان ميالا للاستقرار والهدوء النفسي.. وتنشأ الثقافة في هذه البيئة ونتيجة للتعامل معها على المدى الطويل، ومن هذه الثقافة تستخلص قواعد التفكير في مختلف القضايا.. ولذلك يتسم الإيرانيون عادة بالتفكير المتأني قبل اتخاذ القرار، والعمل الدءوب بصبر، والتضامن والتعاون، والاهتمام بشئون الآخرين.. مثلما ينسج الإيراني الموجود في أصفهان، أو كرمان، أو همزان، أو تبريز، أو شيراز، أو قم، السجادة، ويحبك في كل قدم مربعة منها مليون عقدة عجمية، مستخدما خيوط الصوف، أو الحرير أو القطن، أو النايلون، ويجمّل السجادة بالنقوش، والأشكال الزخرفية، وصور حيوانات وطيور وأشجار وزهور وورود، ومساجد ومعالم تاريخية، لكي يحصل -بعد فترة طويلة من العمل- على سجادة متينة جميلة كثيرة الألوان غالية الثمن، فكذلك يبدو الإيرانيون في أمور السياسة.. لا يستعجلون، بل يعملون على مهل للوصول إلى قرار مفيد، أو مكسب مهم.. منذ نحو ثلاثين سنة وهم يفاوضون في المسألة النووية مع ذلك لا يبدون في عجلة من أمرهم، ولكي يحصلون على أصدقاء في العراق أو سوريا أو لبنان، استغرقوا عشرات السنين، ولم يحصلوا على ذلك بالضغوط والتكبر والهيمنة ومحاولات الاحتلال، بل بتقديم المساعدة لتلك البلدان، والتضامن مع شعوبها، والتفاعل مع قضاياها، ونحن في اليمن نشعر اليوم أنهم يتضامنون مع شعبنا، ويبذلون جهودهم لوقف العدوان السعودي العسكري عليه. أي نمط تفكير سيكون عليه العقل الصحراوي، ففي هذه البيئة الحجر توجد وحدها، والشجر- إذا وجد شجر- كل واحدة منه مفصولة عن نظيرتها، والناس يعيشون في خيام، كل بدوي في خيمته بعيدا عن الآخر، ولكل مرعى، فإذا يبس انتقل مع إبله إلى مكان آخر، حتى الحيوانات كلٌّ منها يعيش ويرعى بمفرده.. كيف يمكن أن يفكر ابن هذه البيئة، نزق غبي، نفسي نفسي، الآخر يجب أن أزحف على مضاربه، وأسيطر على كلاه، ومياهه، وإذا أمكن أنهب إبله ومعزه.. والسعوديون- رغم مظاهر العمران والاستقرار- هم ورثة ذلك العقل الصحراوي.