اليمن اليوم

الثلاثة العقود الأخيرة من حياة اليمنيين كلها قوارح وبنادق ومشايخ وقطاَّع طرق وفرق جهاد وجماعات إرهابية. باختصار، هذه مرحلة بلا مشاعر وبلا أسماء مبدعة ظهرت إلى السطح، باستثناء أسماء قليلة بينها الفنان عبدالرحمن الأخفش. جاء هذا الأخير بأغانٍ جديدة، كلماتٍ وألحاناً، وأصبح خلال فترة وجيزة ذائع الصيت، لأنه شق طريقاً غير «التقليد». الأهم من ذلك أن وراء إبداع عبدالرحمن الأخفش اسمين حقيقيين، الأول: أمين الحضراني، وهو شاعر شفيف ويمكن اعتباره واحداً من القامات الكبيرة لشعراء الغناء الصنعاني. والثاني: عصام الأخفش، وهو الأخ الأكبر لعبدالرحمن، وأكثر من ذلك هو صانع غالبية الألحان التي عشقتها الذائقة اليمنية المرتبطة بالغناء الصنعاني خصوصاً، على سبيل المثال لحن «عصام» أغانيَ عديدة بينها «عشَّاق نذَّاق» و»جي بحين والَّا شرق» للحضراني، و»قالوا لي اقنع» لعباس الديلمي. وغيرها من الأغاني التي لطفت ذائقة اليمنيين حيال هذا القرف اليومي المتكاثر. ولأن هذه البلاد طاردة للطاقات، هاجر عبدالرحمن الأخفش إلى أمريكا. لديه بقالة هناك، ربما كتب على أحد جدرانها «ممنوع الدين وكلمة بعدين»، وأمين الحضراني الشاعر العاشق مجرد موظف عادي في مصلحة حكومية، والملحن البديع «عصام الأخفش» ياغللي عليه: محبوس! الفن في هذه البلاد المليئة بالقوارح وبالاطباح غواية مرهقة، وهو إما يصبح فناً مسيساً، أو فناً مبتذلاً ويمارس التقليد ليأكل لقمة عيش.. أو يكون مصيره الحبس! عصام الأخفش، الملحن الفذ يعمل سائقاً فوق تاكسي، وهو في الأساس موظف في التوجيه المعنوي ويحمل رتبة عقيد، لكنه فنان أصيل ويحترم تاريخ الفن الذي حافظت عليه أسرة الأخفش من الاندثار. عانى «عصام» كثيراً من تهميش قيادة التوجيه المعنوي السابقة، ولا أعتقد أن قيادة التوجيه المعنوي الحالية تعرف من هو «عصام».. هي مشكلة الكل في هذه البلاد الممحوقة، إذ لا مكان لهذه الطاقات الخلاقة، ولا أحد يحتفي بها حتى في داخل الحبس...! وهذه بلااااااد يا صفية.