اليمن اليوم

الحمرة ثورة وإثارة ومصارعة ثيران.. وأشياء أخرى يعرفها رجال الإطفاء وضاربو الرمل ومحررو الصحف والعشاق.. كان «بشار بن برد» يعشق اللون الأحمر، لون الأشياء الفائقة التي عشقها الشاعر (الأعمى منذ ولادته) بأذنيه وشفاهه وأنفه أيضا.. عشق بشار لون الشفاه الموسيقية والخدود الغضة وأريجها العاطر وطعم التفاح .. وكان بارعاً في إضفاء هالة إيحائية مثيرة للأبعاد الحمراء في لوحاته الشعرية، ولاحظ ببصيرته النافذة بين الأشياء الحمراء الجميلة علاقات تدهشنا، نحن المبصرين، الذين نعشق الشفاه الحمراء والوجنات المشربة بالحمرة، دون أن نستحضر الشقائق والعناب والشفق.. أو نلاحظ تواؤم الأشياء المتوائمة. «الحسن أحمر»: كما قال بشار، وقد يكون من الجارح للمقام أنه لجمال وجهه المشرّب والمتوهج بالحمرة اكتسب «أبو لهب» هذه الكنية، وأطلق الرسول (ص) لقب (الحميراء) «تصغير حمراء» على أم المؤمنين «عائشة»، للون وجهها الضارب إلى الحمرة، وكان الجاهليون قد أطلقوا اللقب ذاته على كوكب الزهرة، كوكب (العُزّى) إلهة الحب والجمال. الحمرة فرحة الأعياد الأكثر لطفا وعاطفية، هي لون العشق الذي يتجلى برمزيته الحمراء الكرنفالية، في الـ»فالنتاين» الذي يطل فرحه على العشاق بزهوره الحمراء، ورسائله الحمراء، وشعاراته وأشرطته وهداياه.. الحمراء، في الـ(14 فبراير) من كل عام.. وقبل ذلك يطل الفرح على الأطفال بحلة «بابا نويل» الحمراء، يوزع عليهم هداياه ومفاجآته الخيرة في ليلة رأس السنة. يصبح السياق الأحمر أكثر جاذبية واحتفالاً بالنشوة في الليالي الحمراء، حين تشتعل الرغبات المحمومة.. وتميل اللذات مع الكؤوس الدامية والأرواب الحمراء المثيرة، تحت الأضواء الحمراء الخافتة.. لا أحاول فتح الشهيات المفتوحة، ولكني أتعجب كم كان «شارع الحمراء» رائعا،ً حينما كانت بيروت قبلة الدنيا المترعة بالحب والأمن والعملات. جمال الحمرة نسبي، يحسن عندما يطل من شفاه ووجنات الحسناوات، نساء الأفغان كنّ أول من ابتكر حمرة الشفاه!، وحين يطل من العيون تعتكر الملامح بلون السهر الذي تلبسه العيون الساهمة في الفراغ أو الخطر الذي تقذفه العيون القادحة بالشرر، وحمرة العين رمز الرجولة والصرامة في الثقافة الشعبية التي وضعها حمران العيون بديلاً عن بياض الأسنان رمز المعاملة الحسنة، في هذه الثقافة أيضاً يدل المصطلح «الحمرة» عند ضاربي الرمال على الحظ العاثر والفأل المشئوم بيوم دامٍ ينتظر شخصا يستطيع إبعاد النحس عن نفسه بالتخلي عن المبادرات.