يزاول ((الإخوان)) ـ وبكل صفاقة واجتراء ـ استقطاباً بشعاً يتكئ على حثِّ وتحشيد ((روح سنيَّـة)) متوهمة، في مواجهة ((انبعاث شيعي معادٍ)) متوهِّم هو الآخر.. يبدو هذا الاندفاع، الحثيث والمثابر والمشفوع بهوس فاضح، أمراً ملحاً ومصيرياً بالنسبة إليهم، بحيث يمكن استخلاص أن وجودهم حاضراً ومستقبلاً رهنٌ بالمضيِّ فيه إلى أبعد مدى ممكن، أياً كانت عواقبه المنظورة كارثية عليهم وعلى البلدان التي ينشطون فيها بمسميات شتى! تبرزُ تنظيمات كـ»القاعدة» ونظائرها- في هذا السياق من تدهور أداء «الإخوان»- بوصفها خندقاً حمائياً «سنِّيَّاً» للجماعة، ولا تتحرج قيادتها من المكاشفة بمخاوفها من زوال هذه التنظيمات بما هو زوال لها في المحصلة!
إن ميوعة الأيديولوجيا وسرية العمل التي وصمت ((جماعة الإخوان)) منذ نشأتها في 1928م، تتيح لها، وبيسر، إمكانية التلوُّن والتعدد بمقتضى الضرورة والحاجة، الأمر الذي يجعل من العسير الوقوف على سمة أصيلة تسم أداءها بالمجمل، أو تمييزُ ما هو استراتيجي عمَّا هو تكتيكي ضمن خياراتها، وما هو مرحلي عمَّا هو جوهري ضمن أهدافها.. أبعد من ذلك فإن لافتات من قبيل ((طالبان، بوكوحرام، داعش، النصرة، أنصار الشريعة، والقاعدة))، علاوة على أكثر من تسعين لافتة مفرخة أخرى في ((مصر)) السبعينيات والثمانينيات، وحدها جميعها لافتات توارب عنواناً واحداً هو ((الإخوان المسلمون)) أو ((الجماعة الأم ))، على نحو مباشر أو غير مباشر!- تتشاطر هذه التفريعات التي تلوح متباينة- لدرجة التناحر أحياناً، فكرة كلية قوامها ((إحياء منهج السلف الصالح))، وهدفاً رئيساً معلناً هو الذود عن ((السنة وأهلها))، بإقامة ((دولة خلافة إسلامية- سنية بالضرورة)) على أنقاض ((البدع السائدة والمتفشية)) في ((مجتمع جاهلي)) تقوده ((أنظمة علمانية كافرة أو رافضية مشركة))، وهي مقولات تنسلُّ من ((الخطاب الإخواني)) وتعكس ـ في تطرفها وشططها ـ
تناقضاته المرحلية وميوعة مرجعيته الفكرية.
إلى ذلك، فإن الحديث عن وشائج تربط هذه الجماعات بـ((الإخوان)) على مستوى التنظيم، يغدو مشروعاً جداً، بالنظر إلى جدار السرية السميك ودثار العتمة الذي تسيِّـج به الجماعة هيكلها التنظيمي ونشاطاتها، وظلت متشبثة به حتى عندما سنحت لها الفرصة لمغادرة سرداب السرِّية، إبان حكمها لمصر..
إن ((العمل السري)) ليس أمراً أرغمت ((الجماعة)) على انتهاجه بفعل القمع وضِيْق مجال المشاركة السياسية في العلن، بطبيعة الحال.. إنما هو استثمار صفيق للمزايا التي توفرها العتمة، وعجز وجودي عن النهوض بتكلفة باهظة تفرضها الحياة في الضوء.. من العتمة ـ وحدها ـ تستمد ((الجماعة)) قدرتها الفذة على الإفلات من مقصلة المسؤلية عن معظم الغسيل القذر الذي يشف عن بصماتها، وبالعتمة ـ وحدها ـ تضمن حماية تناقضاتها واستمرارها.. تماماً كما تفعل مافيا تبييض الأموال وشبكات تهريب الممنوعات والمتهربون ضريبياً وتجار الأعضاء البشرية والنخاسون وكائنات العلب الليلية!
استفتِ أياً من السحنات ((الإخوانية)) المؤمنة عن موقفها من المجازر اليومية التي تقترفها العصابات التكفيرية، بدءاً من ((جزائر 92م))، وصولاً إلى العراق وليبيا وسوريا ومصر واليمن، وسيجيبك بنبرة الضحية الواثقة من فداحة مظلوميتها: ((إن كل ذلك هو جهاد وذود عن بيضة الإسلام الصحيح وأهل السنة، وثورات ضد المجوس والروافض والنصيرية والصفوية ..، ...)).
لقد حرَّض ((يوسف القرضاوي)) علنياً على قتل العلامة الشهيد ((محمد رمضان البوطي))، وأجاز شيوخ الوهابية التعبير عن الفرحة بمقتله، واعتبر ((عبدالإله شائع)) مجزرة ((مستشفى العرضي)) استمراراً للثورة.. وناح وينوح كل مشايخ وخطباء ((الإصلاح)) من آلاف المنابر، حزناً وفجيعة على ((شهداء القاعدة)) واستنفاراً لـ((المسلمين)) ضد الجيش الذي يصفه غالبيتهم بـ((الرافضي)) ــ فقط ـ لأنه بدأ يفعل ما كان يتوجب عليه فعله منذ عقود، وما يمليه عليه الواجب الوطني!! في «تعز» على سبيل المثال؛ يوفِّرُ «الإصلاح- التمظهر الإخواني في اليمن»- غطاءً سياسياً لنشاط «القاعدة» وشعاراتها وأعلامها، ويتكئ التنظيم في حضوره على البنية التحتية التعليمية والخيرية والجهوية لـ»الإصلاح»!
إن ضربات سديدة لبؤر العصابات التكفيرية بوسعها ـ وحدها ـ أن تهتك نقاب العفة والخيرية الذي يسدله ((الإخوان)) على طبيعة مشروعهم، ليتكشَّف عن ذراع صهيوأمريكية طولى، تُسرْمِدُ خراب الخارطة العربية وتشرذمها، مرة باسم مجابهة ((الزحف الشيوعي الأحمر)) وأخرى باسم مجابهة ((الهلال الشيعي الصفوي))..