فيصل الصوفي

كان قدامى العرب يعرفون أن السُّحب تتكوَّن من بخار البحار، والرياح تسوقها إلى اليابسة حيث تمطر.. قال شاعر جاهلي في صفة السحاب «شربن بماء البحر»، وهذا القول يطابق الحقيقة العلمية.. وقال الشاعر المتنبي يصف رجلاً كريماً: «كالبحر يقذف للقريب جواهرا- جوداً ويبعث للبعيد سحائبا»، وفي هذا البيت يقرر المتنبي أن السحب من ماء البحر.. ومن بين الأسباب التي جعلت الإمام عبدالله بن حمزة يكفِّر المطرفية الهادوية، (أتباع الإمام مطرف بن شهاب العبادي) ثم يستأصل الطائفة كلها، في القرن السادس الهجري، أن مفكري الطائفة كانوا يقولون إن البحر هو مصدر السحب الممطر، وكان خصمهم ينكر عليهم هذا القول الذي أكده العلم، واتهمهم بمخالفة القرآن، أو نقض الآية القرآنية: «وينزل الغيث..»!

وكان عرب في الجاهلية يدركون أن الشمس نجم ملتهب، والقمر منير، ونوره من الشمس، والأرض معلَّقة، والكون مبني بناء متماسكاً، ولو اختلَّ كوكب انهار الكون، وهذه حقائق علمية.. قال زيد بن عمرو بن نفيل: «وقولا له: أأنت سويت هذه - بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا.. وقولا له: أأنت رفعت هذه - بلا عمد أرفقْ إذا بك بانيا.. وقولا له: أنت سويت وسطها- منيراً إذا ما جنه الليل هاديا».. وقال أمية بن أبي الصلت: «مجِّدوا الله فهو للمجد أهل- ربنا في السماء أمسى كبيرا.. بالبناء الأعلى الذي سبق الناس- وسوى فوق السماء سريرا»..

ونقرأ في سيرة ابن هشام- نقلاً عن ابن إسحاق- «أن حياً من ثقيف فزعوا للرمي بالنجوم (الشهب) فجاءوا إلى عمرو بن أمية يقولون له: ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم؟ قال: بلى، فانظروا، فإذا كان معالم النجوم التي يهتدي بها في البر والبحر، وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم، هي التي يرمى بها، فهو والله طيُّ الدنيا وهلاك هذا الخلق الذي فيها، وإن كانت نجوماً غيرها، وهي ثابتة على حالها، فهذا لأمر أراده الله بهذا الخلق فما هو؟».. فهنا يقولون إن القمر منير، والأرض بلا وتد، والسماء رفعت بلا عمد، وهي مبنية بناء، والكون مترابط بقانون الجاذبية، وعمرو بن أمية فرق بين نجوم يتوقف على بقائها نظام الكون، وأخرى ليست لها هذه الأهمية.. فهل نقول إن كلام هؤلاء إعجاز علمي، أو هم رسل أيدهم الله بوحي، لمجرد تقدم أقوالهم زمنياً؟