اختفت الفرحةمن اليمنيين وأصبح القلق على المستقبل هو الهم الأكبر. أهوال قائمة وتحدياتكبيرة.. السعيدة بلاد عجيبة.. السعادة فارقتها منذ زمن بعيد.. ينتظر اليمني فرجاًقريباً، لكن الانتظار أصبح مملاً وقاسياً.
تنتظر اليمن منتفوضه لينقذها من الكمين التاريخي الذي وقعت فيه. تحتاج اليمن في الوقت الراهن إلىرجل تتسع همته لأحلام الشعب قادر على مواجهة قراصنة التاريخ ولصوص الجغرافيا. تحتاجاليمن إلى رجل يرتقي بها مدارج التقدم ويخرجها من أزمات التخلف.
إننا بأمسالحاجة إلى هذا الرجل، لأن رياح الشرّ أضحت تلقي بنا في حلقة مفرغة، خطوة للأماموخطوات للخلف.
نحن اليوم بأمسالحاجة إلى أن نعرف معنى الأمل حتى نستطيع أن نشعل ثقاباً في الظلمة يطارد أشباحالتخلف، ويجعل حلم النهوض حقيقة ممكنة.
يجلس اليومالمؤتمر الشعبي العام بلا مشيئة على مقاعد التبعية مكتفياً بذكرى أيام زاهية. لقدوقع المؤتمر في قبضة الأمانة العامة التي تستمد شرعيتها من المؤتمر في الوقت الذيتعمل هذه الأمانة على توجيه الضربات التفكيكية للمؤتمر وقواعده.
لقد عطلتالأمانة العامة مسيرة الحزب ومسيرة الوطن، فهي تقف حجرة عثرة أمام التغيرات التيأصابت العملية السياسية والحزبية، كما أنها وقفت أمام التحولات التي أصابت النظامالعربي والتي بموجبها تغيرت خارطة التحالفات. تبنت الأمانة العامة سياسات حققتالفشل على المستوى الداخلي والخارجي.
نحن نعلم أنالتحولات التي أصابت النظام العربي قد جعلت جماعة الحوثي وجماعة الإخوان المسلمينجماعتين إرهابيتين، ولم يبقَ سوى المؤتمر يمكنه أن يلعب دوراً إيجابياً في إطارهذه التحولات. ومع ذلك ما زال المؤتمر غير قادر على الاستفادة من هذه التحولات،وغير قادر على تبنّي قضية التغيير المنشود الذي يعمل من أجل مصلحة الوطن والمواطن.
إن ما يجري فيعمران والمناطق المحيطة بها قتل وحقد وكراهية. إنه مشروع للموت لا يعلم المتقاتلونلماذا يقتلون بعضهم بعضا؟ وما هو الدافع لهذا القتل المجاني بهذه الشراسة وبهذاالإصرار؟
صحيح أنالمؤتمر الشعبي العام قاد البلاد إلى ما هي عليه الآن بسبب دعمه لكل الفاسدينالذين يرتقون اليوم على قمة السلطة، فحيثما تولي وجهك فثمة فاسد وحاقد على كل ماهو جميل في هذا البلد. لذلك خرجت الناس مطالبة بالتغيير، لكنهم استفاقوا من تلكالخديعة الكبرى التي وقعوا ضحيتها باسم التغيير الذي لم يترك البلاد إلاّ جذعاًخاوياً.
حينما بدأتتتشكل داخل المؤتمر الشعبي العام قوة شابة متسلحة بالعلم لمحاربة الجهل والرذيلة،فزعت قوى الفساد من حضور القواعد الشابة ونسيت خلافاتها وحروبها واجتمعت علىمواجهة المؤتمر وإجهاض تجربته، وقاد حميد الأحمر وعلي محسن والزنداني هذا التوجه،وساندهم الحوثيون والاشتراكيون والناصريون ومداحو السلطان في كل المراحل، ونسفواجهوداً متواصلة بالتعاون مع قطر وتركيا وبعض الدول الأخرى تحت غطاء الربيع العربيللقضاء على (صالح) وتدمير الجيش وإضعاف الدولة. وبالرغم من ذلك تغير الوضع، وبدأيتشكل نظام عربي جديد بدأ يفرض نفسه بالقوة ألحق هزيمة قاسية بأصحاب الربيع العربي؛إلاّ أن ذلك التحول لم يستفد منه المؤتمر بسبب القيادات العتيقة التي تضع رجلاً فيرئاسة المؤتمر والرجل الأخرى في الأمانة العامة.
لكن هل تكفيالمؤامرة وحدها لتفسير التاريخ الذي هو تآمري بطبيعته؟ الثابت أن الثغرة الحقيقيةفي جدار المؤتمر هي الازدواجية التي استفادت من اختطاف المؤتمر وشل فاعليتهالسياسية والاجتماعية.
أصبح المؤتمرحزبا كبيرا لتنظيم هش، فسقط تحت ثقل الضغوط الخارجية، دون أن يلقى مساندة من الصفالأمامي من قياداته التي أصبحت ترى أن المؤتمر حزب لا يخصها، لذلك تعمل على تدميرنقاط القوة، ولقطع الطريق على ولادة قيادة عصرية قادرة على رد التحدي.
رحل عليعبدالله صالح عن الحكم بحسرته على تهاوي سلطته وترك من بعده خلفاً ضعيفاً؛ تردتأحوال البلاد على يديه وزادها رهقاً. كان علي عبدالله صالح يعتمد على ذهب المعز لاسيفه.. امتنع عن الصدام مع القبائل وعمد إلى الوفاق معها ولو بالرشاوى المقنعة،واستأنف مسيرة البناء والعمران والتعليم وتطوير الجيش. كانت اليمن قد شهدت نهضةحضارية قبل أن تهبط إلى هاوية الدمار والخراب.
وعلى الرغم منالنجاحات المشهودة لعلي عبدالله صالح، فإنه لم يسلم من منغصات تركت ندوباً غائرةفي وجه المجتمع اليمني التائق للنهضة، أبرزها غياب القانون الذي استبدت به المشايخوداسته تحت أقدامها، وأزمة 2011م التي كانت ضربة في الصميم لكل ما مثلته المرحلةالماضية وسط تآمر محلي وإقليمي ودولي متربص، بعد أن سمح المؤتمر لنفسه بأن يستدرجإلى معارك مع اللقاء المشترك دون حساب دقيق لموارده الذاتية وموارد الخصوم، ممااستنزف طاقته في معارك ضارية، بعدما تكالب على رئيسه أعداؤه بقوة المال، فلم يشفعله حجم المشاعر الدافئة حوله وعدد المواطنين المؤديدين له.. لكنه ظل شامخاً وتحملالمسئولية بشجاعة ولم يقبل بإراقة الدماء.
كان (صالح) تجربة هائلة في زمننا المعاصر كله،لا يمكن أن تقاس إلاّ بالتحديات التي واجهتها وبالخيارات التي كانت مفتوحة أمامها،وإلاّ أصبح التقييم تعسفاً، أصاب الرجل: نعم، وأخطأ: نعم، لكن الإيجابي يفوقالسلبي بكثير، ومحصلة أي حساب أمين تعطيه أكثر مما تأخذ منه بفارق كبير، لهذاتستحضره الجماهير في اللحظات الفارقة.. بكل ماله وعليه.. حاملة صورته رمزاًللوطنية في القلوب بدلاً من المكاتب.
ولست بحاجةللقول إن السلطة اليوم تعد بناء هشاً مغلفة بالاستبداد، وأي حكومة لا تنحني لشعبهاهي حكومة تحكم على نفسها بالسقوط. ومشاركة المؤتمر الشعبي بهذه الحكومة بوزراء لايتبعونه قد وضع المؤتمر في مفترق طريق حاد ومحير. مطلوب منه اليوم أن يعوض النزفالرهيب الناجم عن سنوات الصراع، فغالبية اليمنيين تثق به وبقدرته على تحقيق الأمنوالاستجابة لسقف تطلعاتها المشروعة والكثيرة في العدالة الاجتماعية والتنميةوالكرامة الإنسانية. وعلى المؤتمر أن يدرك المعارك لا يربحها المشاة وإنما تحسمهاخطط الجنرالات الجريئة والذكية.
وعلى المؤتمرأن يدرك أن الإنسان هو أهم ركائز التنمية، لذا لا بد من الاستثمار في تطوير مهاراتقواعده.
الأحزابالسياسية تموت حينما تكون هناك فجوة بين القيادة والقاعدة، وهي كالرجال لكل منهاقدرها، والأحزاب القادرة حين تحاسب نفسها، لا تفعل ذلك بقصد التفجع والندم على مافات، لأن حركة التاريخ زمان غير قابل للاستعادة، والبكاء على اللبن المسكوب نقصانفي العقل، إنما تهدف للمراجعة والفحص حتى تعود من جديد إلى مجرى الحياة، وسط مشاقوأشواق متدافعة تطلب الرقي والرفعة، وتوفر لقواعدها حق الاختيار إذا أحسنتالتقدير، وتلك بالضبط مهمة السياسة بوصفها فن إدارة المجتمعات، بتوظيف إمكاناتطاقاتها ومواردها وموقعها لتحقيق طموحاتها في الحاضر والمستقبل.
يبقى السؤال:هل يستطيع المؤتمر عقد لجنته الدائمة للتحضير للمؤتمر الثامن فيذهب نحو المستقبل،أم يفشل في ذلك وتفر قواعده من حوله باحثة عن إطار جديد يجمعها ويلبي طموحاتهاوطموحات الوطن؟!