اليمن اليوم

سيطر الحوثي، وإزاحة الإخوان مؤخراً عن محافظة كاملة بأهمية وحجم عمران، حدثٌ نوعيٌّ بالغ الأهمية، بأبعاده وتداعياته المستقبلية الخطيرة على العملية السياسية بشكل عام، وفي واقع العمل السياسي لعناصرها كلٍّ على حدة. هناك تحول مفصلي في واقع موازين القوى وقواعد اللعبة، وقد لا يكون للمجتمع الدولي أهمية جوهرية، أمام ما تفرضه سياسة الأمر الواقع على الأرض. يمكن لكل ذلك أن يصب في صالح العملية السياسية، ولصالح الدولة، فعمران منذ صلح "دعّان" مع العثمانيين أوائل القرن الماضي، لم تكن تحت سيادة ولا سيطرة الدولة التي يمكنها الآن لأول مرة أن تفرض سيطرتها على المدينة التي خرجت للتو من قبضة المشايخ والإخوان إلى قبضة الحوثيين. بخلاف سابقيهم هؤلاء الأخيرون مع كونهم جماعة مسلحة، لا يزعمون المدينة إرثا تاريخيا ومنطقة مغلقة لهم، وينادون بحق الدولة في السيطرة على المدينة، ومع أن سيطرتهم ستظل بشكل ما قائمة على المدينة، كما هي في صعدة، يتبقى للدولة قدر من السيطرة غير مسبوق في تاريخ هذه المدينة، كخطوة تمهيدية للوضع الطبيعي الذي سيفضي إليه تطبيق مخرجات الحوار. إذا لم تتخذ الأمور وجهة إيجابية مغايرة تماما، فمن المتوقع أن الإصلاح ومشايخ وجنرالات آل الأحمر لن يتوقفوا عن تصعيد استقطاباتهم وحملاتهم الإعلامية وجر الحوثيين إلى حروب في خمِر، وأرحب، وغيرها من مناطق التوترات الأخرى، وبدورهم سينخرط المقاتلون الحوثيون فيها بشكل ربما ينتهي بالحسم لصالحهم، كما حدث مرارا، من قبل في دماج وحاشد وعمران.. الحديث عن نصر أو هزيمة، في حرب أهلية، مناكفة وقحة، وانتهازية حمقاء، الحرب الأهلية كارثة وطنية عامة، يتوجب على الجميع، خاصة الأطراف المتناحرة، التعاطي مع فداحتها بأيّ قدر من الإيجابية. سيكون على الحوثي أن يدرك أن عمران هي نهاية تاريخ الاستحواذ على الجغرافيا، وأنه سيخسر كل شيء إذا لم يغير خطابه وأدواته السياسية، ويتعامل مع شعب لا مع طائفة، وببرامج لا بمظالم، وأن السلاح هو أردأ الضمانات السياسية. أما الإصلاح فسيكون محظوظا لو توقف عن تصديق أكاذيبه، وحاول التأمل في جدوى معاركه، والمستفيدين منها، واكتشاف نفسه وإمكاناته، وأنه لم يعد بمقدوره بعد الثورة أن يقاتل بالدولة أو يجرجرها وراءه في حروبه الخاصة، وأن عليه أن يسوّق لحروبه المستقبلية بطريقة مختلفة.