اليمن اليوم

في مذبحة حضرموت لا تنشغل بالحديث عن القتلة، وإنما فتِّش عن الدولة. إذا غابت الدولة فإن تفريخ العنف والإرهاب لن يتوقف، وإنما سيواصل الانتشار بصورة تثير حسد النار والهشيم.
• لو أن الدولة أثبتت حضورها بعد مذبحتي السبعين ومستشفى العرضي وغيرهما كثير، فإن الردع سيتحقق ولو بصورة جزئية، لكن ما حدث لم يتجاوز ذلك الخليط من التسويف الشامل وقرصة الأذن في أحسن الأحوال، مع أن الله- تعالت حكمته وجلَّت عظمته- جعل لنا في الردع رهبة وفي القصاص حياة.
• إفلات القاتل والمحرِّض والحاضن، صراحة أو من تحت إلى تحت، يغري على معاودة الكرَّة الدامية بعروق لا دماء فيها، ووجوه بلا خجل، وضمائر بلا حياة.. ولذلك لم يكن في إخفاء الدولة للمذبحة لأربع وعشرين ساعة إلا أحد عناوين "المؤسسات النعامة" التي تتحول إلى مجرد أشكال كرتونية في مهب عواصف العنف. • وإذا أتينا إلى الأشكال السياسية والجهوية فإن أهم ما يمكن قوله لأطراف تتبادل استخدام وصف داعش: لا داعي لتبادل التهم، فالكل داعش إذا لم يكن بالفعل والاحتضان للدواعش فبهذه الفرجة على جرائم ذبح أشرف الرجال بدماء ثلجية.
• لقد مارسنا من السياسات الخاطئة ما أوصل الكثير من الجنود والضباط الشرفاء حد فهم وظائفهم وأدوارهم بأنها لا تتجاوز الوفاء باستحقاقات البقاء في كشف المعاش، والأدلة أكثر وضوحاً من الشمس في كبد السماء. • وحتى لا أخبط العشواء، أيُّ ثقافة عسكرية هذه التي تجعل من جنود مستهدفين مجرد ركاب في حافلة نقل جماعي مطلوب منهم أن يخفوا ملابسهم العسكرية ويتحركوا بلا سلاح ليقعوا في أيادي من لا يخافون الله ولا يرقبون في عباده إلاًّ ولا ذمة.
• ومع أنه لا أحد يسمع أحداً في هذه البلاد، خاصة من أصحاب القرار والسلطة، لا مناص من القول: أيُّ أسرار كونية وراء التمسك بحكومة سقطت من قعر المسؤولية قبل أن تحدث المذبحة وتسقط أكثر بعدها.. ويا أيها اليمنيون لماذا هذه المثابرة على توديع إنسانيتكم بكل هذه السلبية أمام ذبح 14 جندياً على أساس مناطقي يؤكده كشف الأسماء ومناطق الميلاد؟ • مذبحة مروِّعة لا تدين من نفَّذ فقط، وإنما تدين الحاضنات السياسية والجهوية التي لا تهتم بأي قيمة دينية أو وطنية أو أخلاقية أو حتى إنسانية، فأي دين وأي قلوب وأي ضمائر بعد المذبحة، وأي منهج فاجر يهدف لإتلاف معنويات الجيش والأمن وإهدار كرامة أبطاله الميامين؟ ثم ماذا تبقى عند الأدعياء من قول رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم: "لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً".