اليمن اليوم

لم تسقط صنعاء.. لم تسقط إب.. لم تسقط عمران.. لم تسقط الجوف.. لم تسقط تعز.. لم تسقط الحديدة. الذي سقط هو هيبة الدولة.. وحين تسقط الدولة تستيقظ الفوضى، ويبدأ كل فرد في إيقاظ الهمجي الذي بداخله، ليقينه أن لا أحد سيطلب منه التوقف عن همجيته. تسقط الدولة فيظهَر الناشطون السياسيون على شاشات التلفزة بكرفتاتهم الملونة ليُظهروا تماسُكهم، ويدينون ما يحدث- رغم أنهم طرفٌ فيه- ويؤكدون ولاءهم للدولة وهم لا يؤمنون بشيء قدر إيمانهم بتكتُّلاتهم وأحزابهم وطوائفهم التي تقافزوا من أرحامها كالجراد!! أصبحت كلُّ أحاديث المواطن اليمني تتمحور حول السقوط، إلى حد أنه صار يحمله بداخله وصار جزءاً كبيراً من يومياته.. فمنذ سقط النظام، وسقطت هيبة الدولة، وسقط الشهداء، وسقطت أبراج الكهرباء، وسقطت الألوية العسكرية، وسقطت المحافظات واحدة تلو الأخرى، وسقطت الطائرات فوق شوارع صنعاء، وسقط علم اليمن الموحد، لم يعد هناك سوى السقوط حاضراً بقوة. سقوط يتوالى منذ أزمة 2011، وكأن هذه هي ثمار الربيع العربي الذي هلَّل له الثوار وصفقت له الشعوب.. سقوط في القيم والمبادئ، وسقوط في العُملة والقدرة الشرائية، وسقوط في الخطاب السياسي والديني، وسقوط في تعاملات الناس، وسقوط في نشرات الأخبار ومانشيتات الصحف. لم تعد قنوات التلفزة تحتفل سوى بأخبار الدواعش والرايات السوداء والرؤوس التي يعلقونها في أيديهم وهم يبتسمون ويرفعون شارة النصر والتكبير والتهليل، وأخبار الانفجارات والاغتيالات، وتعرض أشلاء الضحايا ودمائهم التي أصبحت مادة رئيسية في كل نشرات الأخبار، فترى المذيع يطلُّ من الشاشة وهو يبتسم ويقول: أسعد الله مساءكم بكل خير، وليس في الأخبار التي سيقرأها أي خير!!