اليمن اليوم

من الواضح أن "ماركس" في عبارته الشهيرة: "الدين أفيون الشعوب"، لا يتحدث عن علاقة مادية مباشرة، بين الدين والمخدرات، مع أنها علاقة عريقة بدأت من قبل التاريخ، ويمكن ملاحظتها كلاسيكياً بشكلٍ ما في طقوس عرافات "دلفي" اليونانية، ومهما قيل عن حركة "الحشاشين" إلا أنها لم تُسم بهذا الاسم عن فراغ. بل ما تزال طوائف دينية تعتمد اعتمادًا كليًا على المخدرات.. لا أقصد اعتماد حركة طالبان والقاعدة في أفغانستان على تجارة المخدرات في تمويل أنشطتها، فكثير من كهنة الهنود الحمر على الأقل، لا يمكنهم أداء طقوسهم الدينية والتوغل في الأجواء السماوية إلا على دخان الحشيش. للمخدرات، في شكلها المادي البسيط، تأثير حاد على الجهاز العصبي والعمليات العقلية، بما يغير من الوضع الطبيعي لإحساس الشخص ووعيه بذاته وبالعالم. نشوة عالية تستلبك منك ومن واقعك، وهو تأثير تفعله الفنون، كما يحدث عند الإحساس بالجمال أو ممارسة الجنس، لكن بكيفيات ودرجات حميدة.. وبغض النظر عن الشكل الصوتي للمخدرات، أو المخدرات الرقمية المجانسة للعصر الرقمي "iDoser"، -"اكتشفها "هينريش دوف" عام 1839م، واستخدمت لأول مرة 1970 لعلاج بعض الحالات النفسية"- فالشكل الفكري الروحي للمخدرات أعرق وأكثر انتشاراً، وفداحة. بعض الأفكار الدينية تؤدي بطريقة معنوية إلى نفس التأثير والشعور، تعزلك عن الواقع بدرجات متفاوتة، بل تفعل هذا بطريقة جماعية، وهذا بالضبط ما قصده "ماركس" بالأفيون: الأفكار الاستلابية التي تبثها بعض الأديان في بعض المراحل في عقول ومشاعر معتنقيها بما ينعكس سلباً على كل جوانب ومجالات حياتهم. وجد "ماركس" أن الدين منبع هذا الأفيون، مع أن كل الإيديولوجيات الشمولية، كالشيوعية مثلاً، تتضمن بطريقتها نسباً متفاوتة من الحشيش، لأنها تتحدث عن حتميات مادية مطلقة في مجالات إنسانية نسبية، وتتجاهل الفروق الزمكانية والاجتماعية والثقافية.. مثلاً بين باريس وعدن!.