اليمن اليوم

كتبت قبل سبع سنوات مقالاً تمنيت فيه أن تظل الحضارة اليمنية القديمة بآثارها ومعالمها مطمورة تحت الأرض، وألَّا تصل إليها يد باحث أو منقف أو مؤسسة أو دولة. تمنيت أن تظل مدفونة حتى يستبدل الله هؤلاء القوم بقوم آخرين يقدرون قيمتها ومعناها ويستخرجونها ليقرأوا من خلالها حضارتنا القديمة ويستفيدوا منها في بناء المستقبل، وحتى لا تضيع كما ضاعت الكثير من الآثار اليمنية الموزعة على متاحف العالم. لقد كنت حزيناً وأنا أسمع وأقرأ عن القطع الأثرية اليمنية التي يتم تهريبها إلى المتاحف الأوربية، كنت أشعر بأن تاريخي ووطنيتي تنتهك، كنت أشعر بأن أحدهم يسرقني مني. أنا آسف.. لقد كنت أحمق بالفعل ولا أتمتع بأي رؤية أو بعد نظر. لقد كنت أبلهاً حين أحقد على مهربي الآثار وأطعن في وطنيتهم وإخلاصهم وحبهم لبلدهم، لقد اكتشفت مؤخراً أنهم أكثر وطنية وأكثر حرصاً على سلامة الآثار اليمنية ويقدرون ثمنها الحقيقي، لذلك سرعان ما ينقلون أي قطعة آثار يجدونها إلى مكان آمن. لقد كشفت الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، خاصة سوريا والعراق، أننا أمة جاهلة وغبية وغير مدركة لأهمية الكنوز الحضارية التي تملكها مناطهم عندما قاموا بتدمير الآثار وإحراق المتاحف والمكتبات العريقة لصالح الجهل والتخلف. في لحظة تخيلت لو أن بوابة عشتار ما تزال في العراق كيف كان سيفعل بها أبطال الخلافة الإسلامية الراشدة؟ لقد أثبتت الأحداث الأخيرة أننا قوم غير مؤهلين لإدارة أنفسنا، فكيف تأمن الإنسانية على حضارتها في المناطق التي نسيطر عليها؟ لذا أصبح علينا أن نشكر مهربي الآثار على العمل الوطني الجبار الذي يقومون به من أجل تأمين تلك القطع من خلال نقلها إلى أماكن آمنة عند قوم يدركون قيمتها الإنسانية الحقيقية ولا يخشون أن تتحول إلى آلهة. شكراً لمهربي الآثار لأنهم أنقذوا آلاف القطع الأثرية من التدمير، فما تزال صورة المتحف العراقي المدمر راسخة في ذهني. أدعو مهربي الآثار في اليمن إلى الجد والمثابرة في عملهم، وأن يشدوا الهمة في تهريب ما يجدونه من قطع في أي مكان، ولا يلتفتوا لأحد، لأنهم يقومون بعمل بطولي جبار.