اليمن اليوم

في ظروف الحرب يصبح اعتيادياً أن تجد طفلاً في العاشرة يتحدث عن الصواريخ من الـ(آر.بي.جي) وحتى الباليستية خصوصاً في مجتمعنا اليمني، حيث السلاح والحديث عنه مفردة أصيلة في لغة الخطاب اليومي للمجتمع، وجزء من فلسفة الأسرة التربوية في السلم والحرب على السواء، لكن الكارثي في ظل هذه الحرب القذرة على بلادنا أن تجد طفلاً يمسك متباهياً بصاروخ الحشيش أو فتاة تحدثك عن عدد الصواريخ اليومية التي تبيعها لزميلاتها في الجامعة، أو يشرح لك شاب متدين تجربته الناجحة في إحالة غرز الحشيش إلى مجالس وعظ واستغلاله إياها في إرشاد (الشلة) إلى تعاليم دينهم. لم تكن اليمن سوقاً مستهدفاً لتجارة المخدرات، لأن أغلب سكانها تحت خط الفقر، ولانتشار عادة تعاطي القات كمكيف عام مباح ومتوفر، غير أن سواحلها الممتدة لأكثر من ألفي كيلومتر وحدودها البرية الممتدة بنفس المساحة تقريباً، جعل منها بوابة العبور المثالية أمام تجار المخدرات للوصول إلى دول الخليج، حيث يوفر الكبت والفراغ والوفرة الاقتصادية كثيراً من الزبائن المستعدين والقادرين على شراء هذه البضاعة الباهظة الثمن. ما حدث منذ بدء العدوان هو إضعاف، بل القضاء على سيطرة الأجهزة الأمنية على السواحل وفتح الباب على مصراعيه أمام دخول المخدرات إلى اليمن، وبالمقابل فإن المواجهات على الشريط الحدودي مع المملكة ضاعفت العراقيل أمام تدفقها إلى سوقها الخليجي، فتحولت اليمن بذلك من بوابة عبور إلى سوق وانتشر تعاطي الحشيش بدرجة مخيفة في المدارس والجامعات وأحياء العاصمة وعواصم المحافظات، بشكل شبه علني، وأصبحت ظاهرة لا تقل مواجهة خطرها أهمية عن الجبهات الأخرى في معركتنا مع هذا العدوان القذر. لا زالت قيمنا تفرض علينا التصدي لتهريب بضاعة الشر هذه إلى جيراننا الألدّاء، لكن علينا أن ندرك أيضاً أنه في ظل هذه الظروف الاستثنائية كلما اجتهدنا في إعاقة وصول هذه البضاعة إلى سوقها الخليجي فإننا نفتح لها سوقاً في حي من أحيائنا أو مدرسة أو جامعة، خصوصاً وأننا في ظل هذا العدوان وسيطرته ومرتزقته على سواحلنا عاجزون عن منع تدفقها إلى بلدنا. لا أعني بذلك أن نتحول إلى أدلة ومرشدين للمهربين، ولكن علينا أن نهتم بمواجهة انتشارها بين أبنائنا أكثر من حماية أعدائنا منها، الخليجيون مخيرون في تعاطي تلك السموم، أما نحن فمجبرون فقط على أن نحمي أبناءنا من صواريخ طائراتهم وصواريخ حشيشهم.