سيلفي كوفمان - (لوموند)
ترجمة: مدنيقصري
وفي واقع الأمر، كان لرئيسة الدبلوماسية الأميركيةأسباب كثيرة لعدم الابتسام لكنها لم تُظهر منها شيئا. ففي خلال محادثاتهما الثنائية،قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن موسكو سوف تطرد الوكالة الأميركيةللتنمية الدولية التي أنفقت أكثر من 3 مليارات دولار في تمويل مشاريع مختلفة فيروسيا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. وقد انتظرت واشنطن عشرة أيام كاملة، حتى لاتعطي فرصة لانتقادات المرشح الجمهوري لها، أو على أمل تأجيل القرار، قبل أن تعلنالخبر. والآن صار الأمرُ رسميا: مسؤولو الوكالة الأميركية في روسيا يجب أن يُوقفواالإعانات، ويحزموا أمتعتهم للرحيل في أول كانون الأول (أكتوبر). وقد مرّ هذا النبأمرور الكرام، لكنه يقول الكثير عن عقلية فلاديمير بوتين الذي بدأ في شهر أيار(مايو) ولايته الرئاسية الثالثة. لماذا كان من الضروري إنهاء نشاطات الوكالةالأميركية؟ لأنها، كما قال بيان روسي رسمي، لم تحترم الوكالة الأميركية للتنميةالدولية الإطار الذي حددته لنفسها: لقد حاول ممثلوها أن يؤثروا على المسار السياسيمن خلال توزيع الإعانات المالية". ومع ميزانية محلية متواضعة جدا قدرها 50مليون دولار سنويا، لا يُتوقَّع من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن تمول كلالمعارضة الروسية. لكن المنظمات غير الحكومية التي كانت تساندها تندرج ضمن أكثرالمنظمات التي أزعجت السلطة الروسية في السنوات الأخيرة: فـ "المذكرة"التي كان أندريه ساخاروف مصدر الإلهام فيها، والتي لا تحظى بحوثها عن الشيشانبشعبية كبيرة في موسكو، وغولوس وهي الجمعية التي رصدت الانتخابات ونددت بالتزوير،ومنظمة الشفافية الدولية التي كان عملها مضنيا حول الفساد، تحظى باحترام كبير. لقدكانت الوكالة الأميركية تمول أيضا العديد من المشاريع في مجال الصحة. ففي عدةمناسبات سابقة اتهم فلاديمير بوتين الولايات المتحدة بالوقوف وراء موجة الاحتجاجاتالتي ما انفك يصطدم بها منذ الانتخابات البرلمانية في كانون الأول (ديسمبر) 2011.ففي رأيه أن الجمعيات التي تتلقى مساعدات أجنبية هي "بنات آوى". لقدوضعته "الثورات البرتقالية" ثم "الربيع العربي" في موقفدفاعي، وقد شدد على المنظمات غير الحكومية شروط الحصول على مساعدات أجنبية. وهناكسبب آخر يظهر أيضا، وهذه المرة في بيان صحفي رسمي: روسيا الآن "ناضجة بما فيهالكفاية" لكي تكون قادرة على التخلي عن "الزعامة الخارجية" مثلزعامة الولايات المتحدة، الواعظة الأولى في العالم. هذا التوضيح مثير للاهتمام،ولكن ليس فقط لأنه يقوّض مفهوم "الإعادة"، أو الانطلاقة الجديدة التيكان الرئيس أوباما في ذلك الحين قد اتفق في شأنها مع ميدفيديف من أجل استئنافالحوار بين روسيا والولايات المتحدة. لقد اختفت اليوم كلمة "الإعادة" منالمفردات الرسمية. فبعد مرور عشرين عاما على انهيار الاتحاد السوفييتي صارت روسيابلدا "ناضجا" مُتخما بمداخيل النفط والغاز، يقودها بيدٍ قوية،وباستمرارية ملحوظة، فلاديمير بوتين، الرئيس تارة، ورئيس الوزراء تارة أخرى.فروسيا ليست لا ألبانيا ولا سيراليون، فهي تعرف كيف تدير "دراجتهاالهوائية" وحدها، ولست بحاجة إلى عجلات الوكالة الأميركية للتنمية الدوليةالصغيرة ولا لغيرها من المؤسسات صاحبة الرأي السديد. وعلاوة على ذلك ألا تحتاجروسيا إلى الغرب؟ في فلاديفوستوك التفت بوتين بحزم إلى الشرق وإلى نجمه الجديدتحديدا، أي الصين. إن روسيا، قال بوتين، على استعداد للتعاون مع الصين، الشريكالتجاري الأكبر "في كل الاتجاهات". فلماذا تكون القوة الأميركية هي الوحيدةالتي "تدور" من الغرب إلى الشرق، وتعلن أنها القوة المهيمنة في آسياوالمحيط الهادئ؟ ولماذا روسيا التي يقع ثلثا أراضيها في آسيا لا يسعها أن"تدور" هي أيضا؟ ففي آسيا، مع ذلك، لا يستنفد أصدقاء روسيا القادمونقواهم كثيرا في الترحيب بها. إن لبكين الآن رؤية نفعية جدا عن روسيا وعن مواردهاالطبيعية. "لا يُنظر إلى روسيا كشريك مستقر بما فيه الكفاية، هكذا قال لنا فيبكين أحد كبار الخبراء في السياسة الخارجية الصينية. لسنا نعرف حقا أولويات روسياالاستراتيجية. فهي مفيدة لنا، ولكن ليست مهمة في أشياء عظيمة". فلكي ندور لابد من أن نكون كُثرا!