اليمن اليوم

حصرياً: "مع خوف الرئيس أوباما من أن يضايق السعوديين أكثر مما فعلة الاتفاق النووي مع إيران، منح الرئيس أوباما السعوديين إلى حد كبير مُطلق الحرية في قصف اليمن وحصارها، وفي الوقت ذاته استمرت العائلة السعودية المالكة بإظهار كراهيتها للأمم المتحدة وجهودها الساعية للسلام في الجمهورية اليمنية"، طبقاً لتقرير جو لوريا. جو لوريا * سقطت العلاقات السعودية مع الأمم المتحدة إلى الحضيض، بعد سلسلة من الأحداث التي أدت إلى شعور الأمين العام بان كي مون بالغضب مع الرياض، وذلك ما قاله لي اثنان من مسؤولي الأمم المتحدة، على مقربة من أمين عام الأمم المتحدة. وتعتبر تلك العلاقة بين الأمم المتحدة والسعودية ذات أهمية كبيرة، وذلك لأنها الجهة الوحيدة التي تتمتع بسمعة الحيادية الضرورية من أجل التوصل لاتفاق تشارك للسلطة بإمكانه أخيراً إنهاء الصراع في اليمن. الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والوفد المرافق له في استقبال الرئيس الأمريكي باراك أوباما والسيدة الأولى ميشيل أوباما في مطار الملك خالد الدولي في الرياض، المملكة العربية السعودية، 27 يناير، 2015.(صورة رسمية للبيت الأبيض، تصوير بيت سوزا) وكان الحظر شيئاً راق للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية منذ البداية، ففي اليوم الأول من القصف في 26 مارس دعا التحالف الدول إلى "الامتناع عن التدخل الخارجي" الذي يهدف إلى "إثارة الصراع وعدم الاستقرار"، ومنذ ذلك الحين أظهر السعوديون تجاهلاً تاماً تقريباً لدور السيد بان كي مون ودور الأمم المتحدة في الصراع. وشعر السيد بان كي مون بالتضايق من العملية العسكرية السعودية على اليمن، وذلك لأنها قامت بإفساد مفاوضات مارس التي تقودها الأمم المتحدة. كما أنه يعتقد أنه تم الكذب عليه من قبل السعوديين، وذلك عند عدم إيفائهم بوعدهم بتقديم المعونات للأمم المتحدة. كما قامت المملكة العربية السعودية بإغلاق جميع المنافذ في اليمن، حتى أصبحت الأمم المتحدة على مقربة من إعلان حالة المجاعة في اليمن. وكان السيد بان كي مون متفاجئاً أن الرياض قد فرضت في شهر يونيو تأخيراً للمحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف، ومن ثم قامت لاحقاً بإخلاف وعدين بهدنة إنسانية تعهد بها السعوديون لبان كي مون. وزادت الأمم المتحدة الطين بلة بتجاهلها للشروط السعودية وإعلان هدنة غير مشروطة في أوائل شهر يوليو، ولكنها لم تستمر على أي حال، ومن ثم قامت السعودية بإعلان هدنة إنسانية من جانب واحد في نهاية يوليو، تجاوزاً للأمم المتحدة، ولكن تلك الهدنة لم تصمد طويلاً. وأدى الهجوم السعودي، في شهر أغسطس، الهادف إلى التقدم نحو العاصمة صنعاء إلى خفض احتمالات التوصل إلى تسوية واتفاق وحل من خلال المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة. حصانة السعوديين وإفلاتهم من العقاب يبدو أن القادة السعوديين واثقون من عدم وجود أي عواقب لقيامهم، وبشكل متكرر، بتسفيه بان كي مون والتقليل من شأنه: سيقبل بذلك ولن يتحدث عن ذلك علناً ولو بكلمة. حيث يؤمن السيد بان كي مون بالدبلوماسية الهادئة، كما أنه من غير الشائع عنه إظهار مشاعره، كما أن محاولاته في إظهار الغضب والامتعاض من الفظائع والمظالم المرتكبة لا تبدو حقيقية. أخبرني السيد بان كي مون ذات مرة في مقابلة بأنه يقوم بالصراخ على موظفيه لكي لا يبدو لهم بأنه سهل وضعيف، ولكن ذلك يعتبر إخراج غضبه على موظفيه، على عكس داغ همرشولد الذي انتقد كلتا القوتين في الحرب الباردة (وهو الأمر الذي ربما قد كلفه حياته)، وكوفي عنان الذي تجرأ وانتقد واشنطن بشأن العراق، لا يزال بان كي مون صامتاً أمام القوى العظمى. أما ما يحدث وراء الكواليس فهو مسألة مختلفة، حيث أن السيد بان كي مون "غاضب" بشكل ملموس على السعوديين، طبقاً لما قاله أحد مسؤولي الأمم المتحدة الذي التقى معه في الآونة الأخيرة، فيما وصفه مسؤول آخر من المقربين للسيد بان بأنه "محبط". وفي اليوم الأول من الهجوم الجوي السعودي صرح بان كي مون قائلاً "على الرغم من التصعيد لا تزال المفاوضات هي الخيار الوحيد"، وكان ذلك ترديداً لما قاله المبعوث الخاصة به حينها جمال بنعمر الذي ظل يقول إن الدمار والموت لن ينتهي إلا باتفاق عبر الأمم المتحدة ويشمل الحوثيين، وفي الوقت الحالي يسخر السعوديون من هذه الفكرة، وهو الأمر الذي يجعل السيد بان كي مون يشعر بالاستياء. وقد عمل السيد بنعمر مع الأطراف اليمنية لمدة أربع سنوات، وقد أخبرني بأنه كان قريباً من التوصل الى اتفاق لتقاسم السلطة عندما أدت بداية القصف السعودي إلى انتهاء المحادثات، وكانت القضية المتبقية والمعلقة هي السلطة الرئاسية. ولم تكن السعودية لتضغط على عبد ربه منصور هادي ليقبل تقليص دوره، وهو الأمر الذي قال بنعمُر كان سيقبل به الحوثيون، وأنهم كانوا على استعداد لسحب ميليشياتهم والخروج من صنعاء لتحل محلهم قوة وحدة وطنية كانت الأمم المتحدة مستعدة لنشرها. المبعوث الجديد لبان كي مون دعت وسائل الإعلام المملوكة للسعودية المبعوث بنعُمر بـ"مبعوث الحوثيين"، لأن الاتفاق الذي توسط فيه أعطى 20% من مقاعد مجلس الوزراء والبرلمان للحوثيين، على الرغم من أنهم قاموا بالسيطرة على العاصمة، وكانوا في ذلك الوقت يتوجهون نحو مدينة عدن. واستقال السيد بنعُمر يوم السادس عشر من أبريل، وتولى مكانة الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد علي، ولم يكن الأمين العام للأمم المتحدة سعيداً باضطراره لسحب شيخ أحمد من منصبه كرئيس للاستجابة في حالات الطوارئ لفيروس ايبولا، وذلك ما أخبرني به مسؤول في الأمم المتحدة بعد يومين من استقالة بنعمر. وبعد يومين من استقالة بنعُمر كان رد السعوديين هو تخصيص مبلغ 247 مليون دولار للمساعدات الإنسانية، ويقال إن هذا كان مقابل تغيير بنعمر وتعيين ولد شيخ أحمد، وهو الأمر الذي نفاه المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق. لكن ما فهمة السيد بان كي مون هو أن تلك الأموال السعودية ستحول مباشرة إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية، وغضب عند علمه بأن السعوديين سيبقونها في مؤسسة الملك سلمان بدلاً من ذلك، طبقاً لما قاله لي أحد المسؤولين في الأمم المتحدة. فيما صرح مسؤول آخر في الأمم المتحدة قائلاً "نحن نريد أن نتأكد من أن المساعدات تذهب إلى جميع المحتاجين"، خوفاً من أن السعوديين سوف يوزعونها فقط على المناطق الموالية للحكومة، وتتواصل المحادثات مع السعوديين لإقناعهم بالسماح للأمم المتحدة بالتحكم بالمال وكذلك لفتح المنافذ أمام المساعدات الإنسانية، ولكنها حتى الآن دون جدوى.. وقال أحد المسؤولين بأن الحصار السعودي الذي يؤدي إلى أزمة إنسانية ضخمة محتملة قد أغضب بان كي مون. ويقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن نحو 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 24 مليون نسمة في حاجة للمعونات. وفي 8 مايو تجاهل السعوديون الأممَ المتحدة مرة أخرى، واتفقا على هدنة إنسانية لمدة خمسة أيام مع وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في باريس، دون إدخال الأمم المتحدة، ولكن الهدنة شهدت استمراراً للقصف والقتال من كلا الجانبين. وقد رفض السعوديون رجلهم المفضل ولد شيخ أحمد عندما حاول إحياء المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة في موقع محايد، وعقدوا بدلاً من ذلك محادثات يومي 18 و19 مايو في الرياض، حيث كانوا يعلمون أن الحوثيين لن يحضروها مطلقاً، ولعل ذلك كان الهدف من عقدها في الرياض. كما لم يحضر تلك المحادثات السيد بان كي مون، بل قام بإرسال ولد شيخ أحمد.. وعملياً تجاهل المتحدث باسم الأمين العام بان كي مون المؤتمر المشؤوم وقام فقط بالإحاطة بها، وشدد على أن جميع الأطراف يجب أن تشارك في عملية يمنية خالصة تقودها الأمم المتحدة. إهانة بان كي مون بعد مؤتمر الرياض الفاشل اعتقد ولد الشيخ أحمد أنه حصل على الموافقة من الطرفين على الاجتماع في جنيف، دون شروط مسبقة في نهاية مايو، لكن السعوديين سحبوا البساط من تحت قدميه بالإصرار على شرط مسبق لها، وهو تنفيذ قرار مجلس الأمن لشهر أبريل الذي ينص على عودة هادي وانسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها. واضطر الأمين العام إلى تأجيل الاجتماع المعلن لأربعة أيام من تاريخ البدء، وبحسب مسؤول رفيع في الأمم المتحدة "كانت تلك إهانة لبان كي مون أن يقوم السعوديون بذلك، وقد كان بان غاضباً جداً". وبعد الضغوط الأمريكية بلقائهم وبشكل منفصل مع قيادة الحوثيين في عمان يوم 31 مايو وافق السعوديون في النهاية على إقامة محادثات جنيف غير مباشرة، وسافر إليها بان كي مون في المدينة السويسرية جنيف خلال افتتاح المؤتمر يوم 15 يونيو، واجتمع مع وفد السعودية وهادي، ولكن أين كان الحوثيون يومها؟ تم احتجاز طائرتهم في جيبوتي لمدة ثمان ساعات بسبب رفض مصر فتح مجالها الجوي. وقال دبلوماسي رفيع مطلع على اليمن بأن مصر التي تعتمد على المال السعودي أبقت الحوثيين على الأرض "بناء على تعليمات" من الرياض بهدف منعهم من لقاء بان كي مون. ولم تلتقِ الأطراف المتحاربة أبداً بشكل مباشر، حيث كان يجتمع ولد الشيخ أحمد مع الحوثيين في فندقهم المقيمين فيه، حيث قام الحوثيون بعدها بعقد مؤتمر صحفي في وقت لاحق في 19 يونيو وفشل بسبب المتظاهرين وأدى إلى عراك. وقال أحد مسؤولي الأمم المتحدة بأن مؤتمر جنيف كان فشلاً ذريعاً. هدنة رمضان وفي جنيف دعا السيد بان كي مون لوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، ودعمت ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وذلك للسماح بتقديم المعونات للبلد الذي يتزايد فيه تدهور الأوضاع. ويوم 8 يوليو كتب هادي رسالة إلى الأمين العام بان، ولم تنشر مطلقاً، ولكني رأيتها شخصياً، وتذكر بشكل واضح الشروط الذي وضعها هادي والسعودية للقبول بتلك الهدنة. وكانت الشروط هي انسحاب الحوثيين من محافظات عدن وتعز ومأرب وشبوة كخطوة أولى، وتبدأ الهدنة في تلك المحافظات حال الانتهاء من الانسحاب الكامل، ومن ثم يتم توسيع الهدنة ووقف إطلاق النار بشكل تدريجي للمحافظات اليمنية الأخرى بعد انسحاب الحوثيين من تلك المناطق، فيما كان الشرط الآخر هو إطلاق سراح جميع الأشخاص المحتجزين تعسفياً والسجناء السياسيين. وإذا ما قام الحوثيون بأي تحرك عسكري في أي مكان خلال الهدنة فبإمكان السعوديين "الرد فوراً ودون إشعار مسبق"، كما ستستمر قوات التحالف التي تقودها السعودية في الحصار الجوي والبحري لمنع الأسلحة من الوصول إلى الحوثيين. لكن الأمم المتحدة تريد هدنة غير مشروطة، وعلى الرغم من أن هذه الشروط واضحة جداً فقد انقسمت الأمم المتحدة بشأن ما إذا كان يجب الإعلان عن هدنة غير مشروطة على أي حال أم لا، ولكن الجانب الذي فاز هو إعلان هدنة غير مشروطة من قبل المتحدث الرسمي لبان كي مون، السيد ستيفان دوجاريك، يوم 9 يوليو، الذي قال إن هادي قبل التهدئة وإن بان "تلقى تأكيدات" من جميع الأطراف. ويقول الأشخاص المرتبطون ببان كي مون بأن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في اتصال هاتفي وعد السيد بان كي مون بوقف إطلاق النار، ولكن أحد كبار الدبلوماسيين الذين تحدثت إليهم كان متشككاً كثيراً بشأن ذلك، وأضاف أن "الأمم المتحدة تقول إن هادي والسعوديين قبلوا الهدنة، ولكنهم قبلوها بشروط، وبالتالي فهناك شيء مُضلل، فذلك يعطي الانطباع بأن شيئاً ما يحدث ولكنه قد يأتي بنتائج عكسية". وعندما لم تتم تلك الهدنة مطلقاً قال السعوديون، وهم غير مصدقين للأمر، بأن هادي الذي يعيش في المنفى في أحد قصور الرياض بأنه لم يخبرهم أحد بذلك مطلقاً، وكانت تلك هي القشة الأخيرة للسعوديين والأمم المتحدة والتي كسرت وقف إطلاق النار. تهميش الأمم المتحدة في الخامس والعشرين من يوليو حاول السعوديون الدعوة إلى هدنة من جانب واحد، متجاوزين الأمم المتحدة بشكل كامل، ولكن الحوثيين لم يوافقوا عليها، لأن الأمم المتحدة غير مشتركة في ذلك، وانهارت الهدنة أيضاً، وبالتالي ففعلياً تم تهميش الأمم المتحدة واستمر القتال بل اشتد، خصوصاً حول مدينة عدن والتي سيطرت عليها القوات الموالية لهادي الشهر الماضي. وقد أظهرت المملكة العربية السعودية ازدراءً للأمم المتحدة من قبل، ففي عام 2013 تم انتخاب المملكة لمقعد غير دائم لمدة عامين في مجلس الأمن بعد حملة ضغط باهظة الثمن، ولكن عندما فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في قصف سوريا بعد هجوم كيماوي في أغسطس 2013م في دمشق وبدئها بدلاً من ذلك بالحديث عن صفقة نووية مع الإيرانيين، تخلى السعوديون فجأة عن مقعدهم، في نوبة من الغضب التي ضرتهم أكثر مما نفعتهم، وكانت تلك علامة على الاستقلال السعودي الجديد في الشؤون الدولية. صرح أحد المسؤولين في الأمم المتحدة "السعوديون حتى لا يستمعون إلى الأميركيين بعد الآن، ناهيك عن أن يستمعوا للأمم المتحدة"، "لا يستطيع الأمريكيون الوصول إلى وزير الدفاع ونائب ولي العهد محمد بن سلمان، وهو الذي يتخذ القرارات، إنه شاب ولا يهمه الأميركيين".. قام الأمير محمد بن سلمان هذا الصيف بزيارة سان بطرسبرج، وانتهت الزيارة باستثمار سعودي بمبلغ 10 مليارات دولار في روسيا، على الرغم من العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد موسكو. وتعتقد المملكة العربية السعودية أنها تستطيع الانتصار عسكرياً على اليمن وتجاهل الأمم المتحدة حتى يحين الوقت لتنظيف آثارها، ولكن في الأخير ستحتاج "الرياض إلى الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق لتشارك السلطة، والذي يجب أن يشارك فيه الحوثيون"، كما أخبرني أحد مسؤولي الأمم المتحدة. ومن الواضح أن ذلك اليوم لم يأتِ بعد، وفي الوقت ذاته أكثر من 80% من اليمنيين بحاجة إلى المساعدات للبقاء على قيد الحياة، فيما يشعر الأمين العام بان كي مون بالغضب حيال ذلك. نبذة عن الكاتب جو لوريا، صحفي مخضرم للشؤون الخارجية في الأمم المتحدة منذ عام 1990م، كتب لصحيفة بوسطن غلوب وصحيفة لندن ديلي تلغراف وجوهانسبرغ ستار وجريدة مونتريال وصحيفة وول ستريت جورنال وصحف أخرى، يمكن التواصل معه على ومتابعته على تويتر .