(كريستان سينس مونيتور)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
تنبأ الدبلوماسي الأميركي الراحل جورج كينان في العام 1946 بأن الإمبراطورية الشيوعية في روسيا كانت مبنية على العديد جداً من التناقضات والمفاهيم الزائفة التي كانت تنطوي على "بذور اضمحلالها،" واحتاج الغرب لأن يكون صبوراً وأن يحاول احتواء الاتحاد السوفيتي بشكل رئيسي. وتبين أنه كان محقاً.
فهل سينطبق التنبؤ المشابه اليوم على القاعدة إذا ما قدر لمجموعة راديكالية سنية أن تحكم شعباً مسلماً برؤياها الفظة للثيوقراطية الإسلامية؟
قد يكمن الجواب في وثائق سرية اكتشفت في الشهر الماضي في مدينة تمبكتو المالية، حيث استطاعت القاعدة أن تحكم بمؤسساتها الحاكمة الخاصة لمدة 10 شهور قبل أن يتم طردها على يد القوات الفرنسية.
والوثائق التي اكتشفتها وكالة الأسوشيتدبرس الأميركية هي جزء من "رسالة سرية" كتبها عبد المالك دروكدال زعيم القاعدة في شمالي إفريقيا. وكان قد ترك أجزاء من الرسالة عندما هرب من المدينة. وفيها يحذر أتباعه من أنهم كانوا متسرعين جداً ووحشيين في فرض الشريعة الإسلامية. وفيها يعرب عن قلقه لأن المسلمين المحليين سيرفضون الدين وسيكرهون الجهاديين، ومن شأن ذلك أن "يفضي بالتالي إلى فشل تجربتنا" التي تتضمن تأسيس قاعدة كونية للقاعدة.
وهو يدين رجم الزناة حتى الموت، ومنع النساء من الدخول إلى الأماكن العامة، ومنع الأطفال من اللهو واللعب. كما يعرب عن انزعاجه من فقدان الدعم المحلي بعد أن حطم رجاله الأضرحة المحلية التي يعتبرها المواطنون المحليون مقدسة.
كما يمكن رؤية فكرة القاعدة عن النساء بأنهن من الطبقة الثانية في وثيقة محكمة وجدت أيضاً في تمبكتو، والتي أمرت بجلد امرأة 60 جلدة عقاباً لها على "اختلاطها مع الرجال". وخلال فترة حكمها التي استمرت 10 شهور، طلبت القاعدة من النساء تغطية أجسادهن من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين عندما يكن في الأماكن العامة، ومنعتهن من التزين بأي أدوات تجميل ومنعتهن من استخدام العطور.
وكشف السيد دروكدال، الذي كان قد عيّنه زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، ويتلقى أوامره راهناً من الزعيم الحالي أيمن الظواهري، عن نقاش حاد تم حول محاولات المجموعة الفاشلة لتشكيل دولة إسلامية في الصومال والجزائر. ويساعد هذا الكشف عن الشقاق الداخلي في تبرير طريقة الغرب والمسلمين المعتدلين في احتواء الجهاديين العنيفين، بالإضافة إلى توجيه ضربات وقائية ضد هجماتهم.
ويبلّغ المواطنون المحليون في تمبكتو راهناً عن قيام مقاتلي القاعدة بتطهير المساجد شاهرين بنادقهم ويقولون للناس ما يجب أن يفعلوه. وتنتهك هذه الاستقامة الحماسية والطريقة السلطوية المسلحة ممارسة الناس للإسلام بشكل معتدل. وفي الحقيقة، فإن المسلمين في أنحاء العالم قد تحولوا ضد القاعدة بسبب انتهاكها المستمر للتعاليم الإسلامية القاضية بعدم قتل المسلمين الآخرين.
وكتب دروكدال، الذي يعرف أيضاً بسم "أبو مصعب عبد الودود"، عن حاجة تكتيكية لممارسة الخداع في محاولة التخفي وراء "جبهة" من الحركة الانفصالية المحلية في مالي. وقال لما يقدر بحوالي 2000 مقاتل من مجموعته التي تعرف باسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: "من الأفضل لكم أن تلزموا الصمت وأن تظهروا أنكم حركة "محلية" لها أسبابها واهتماماتها الخاصة". وأضاف: "ليس ثمة من سبب يجعلكم تظهرون أن لدينا القاعدة الجهادية التمددية أو أي نوع آخر من هذا المشروع". لكنْ حتى ذلك التكتيك فشل، نظراً لأن التحالف والثوار المحليين ظهروا بوضوح في القتال.
وتكشف رسالته الواقعة في عشر صفحات عن العديد من الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها. وما وراء خداع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والتمسك بالسلطة عن طريق القوة، نفت المجموعة أيضاً ضمان العزة والكرامة المتساوية لكل شخص، وخاصة النساء. وفشلت أيضاً في احترام حرية الضمير الشخصي.
وتظهر الرسالة مدى انتهاك المجموعة لدعوة القرآن بأن يكون الحكام راعين لمجتمعهم. والأكثر من كل شيء، نجدها تظهر حجم اعتقاد القاعدة بأنها تستحق أن تستحوذ على مفاتيح السلطة لأنها تدّعي بأنها تتوافر على المفاتيح إلى الجنة.