ماثياس غيباور، ودانية سلوم - (ديرشبيغل)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
يعتقد المسؤولون الأمنيون الألمان بأن ثمة عدداً من الألمان قد انضموا إلى الإسلاميين الراديكاليين على خطوط المواجهة في سورية. ولعل ما يقلقهم أكثر ما يكون هو التدريب والروابط التي يتوافر عليها هؤلاء في الخارج، وما إذا كانوا سيواصلون الجهاد عند عودتهم للوطن.
اختفى أثر إبراهيم آر. تماماً في آذار (مارس) 2013. وكان الرجل الشاب من البلدة الألمانية "بفور تريم" الواقعة في الجنوب الغربي قد ظهر أصلا على رادار وكالة الاستخبارات المحلية الألمانية عندما شارك في مظاهرات مع سلفيين آخرين في ألمانيا، ثم عندها استقل حافلة متجهاً إلى تركيا واختفى. وتشك السلطات بأنه يقاتل الآن في سورية. وكانت الشرطة قد نجحت في منع محاولته الاولى دخول سورية مع مجموعة من رفاقه المسلمين المتطرفين، لكنها تصنفه حالياً ضمن أولئك الذين استطاعوا أن يعبروا إلى سورية أو أنهم في انتظار العبور اليها.
قضية إبراهيم آر واحدة من العديد من التحركات الخطرة التي يتعقبها مسئولو الأمن الألمان. وعلى الرغم من أن هذا الموضوع يظل خارج اطلاع الجمهور، فإنه يعامل منذ وقت طويل على أساس أنه يحظى بأولوية محلية. وفي مقابلة مع "شبيغل أون لاين" مؤخراً، أكد وزير الداخلية الألماني هانس بيتر فردريك، رسميا ولأول مرة أن ثمة "جهاديين" ألماناً في سورية. وأعرب فردريك عن القلق من "دعوات وجهت لأولئك الأوروبيين الذين يتدربون على القتال (في سورية) للعودة إلى الوطن ومواصلة الجهاد".
تعكس استنتاجات المسئولين الألمان الصورة العامة لدى أجهزة الاستخبارات الدولية التي ترى أن المتطرفين المسلمين يتدفقون إلى سورية بوتيرة أسرع من أي مكان آخر. ومنذ أن بدأت الثورة هناك في آذار (مارس) 2011، أصبح البلد معسكر تدريب فعلي للمتعاطفين مع تنظيم القاعدة. وهناك يتعلمون كيف يستخدمون الأسلحة والمتفجرات، وهم يشكلون الآن روابط جديدة وخطيرة مع أشخاص مماثلين في التفكير حول العالم.
يعتقد المسئولون الألمان بأن هناك 20 مواطناً ألمانياً يقاتلون راهنا في سورية. وتردد أن بعضهم أخذوا زوجاتهم إلى هناك، وأنهم يعيشون مباشرة على خطوط المواجهة. وفي تموز (يوليو) 2012، قدرت وزارة الخارجية الأميركية أن هناك ما يتراوح بين 10 و100 مقاتل جهادي أجنبي ناشطين في سورية. لكن دراسة نشرت مؤخراً تقدر أن هذا الرقم قد ارتفع منذئذ إلى ما يتراوح ما بين 2000 و5500، وأن كبار مسئولي مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي يقولون أن ثمة 500 جهادي من هؤلاء على الأقل جاؤوا من بلدان الاتحاد الأوروبي. ومن هؤلاء، ذكر أن بعضهم مهاجرون يحملون جوازات سفر أوروبية، بينما هناك آخرون مواطنون أوروبيون أصليون ممن اعتنقوا الاسلام.
سلفيون ألمان يحشّدون لسورية
منذ أشهر حتى الآن، دأب وعاظ السلفية، المذهب المسلم المفرط في المحافظة، والذين يقيمون في ألمانيا، على تمجيد القضية السورية والإعلاء من شأنها أكثر من أي جماعة أخرى. وعادة ما يظهر هؤلاء بانتظام في المناسبات الخيرية الكبيرة، حيث يوجهون الدعوة لتقديم الهبات والمنح لأغراض الاغاثة الإنسانية. وفي الوقت نفسه، لا يترك هؤلاء الوعاظ اي مجال للشك في أنهم لا يعارضون المسلمين الذين يريدون القيام بما هو أكثر من مجرد التبرع بالمال. وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قال الواعظ السلفي المعروف جيداً، إبراهيم أبو ناجي: "إن إخوتنا وأخواتنا في الإسلام يقتلون حول العالم، لأنهم مسلمون. إن إخوتنا يحتاجون إلى دعمنا". وبالنسبة له، فإن الحرب الأهلية الدائرة في سورية هي جزء من حرب عالمية جارية بين الأديان.
وثمة نجم آخر للمشهد السلفي الألماني، والذي ربما يكون قد توجه أصلاً إلى سورية، هو قارع باب الجهاد دينيس كوسبرت، المعروف أكثر بين رفاقه باسم ديسو دوغ. وبعد فراره إلى سورية لخشيته من اعتقاله، ترددت شائعات بأن كوسبرت كان قد قام بمحاولات متكررة للدخول إلى سورية، سوية مع أقران مسلمين آخرين. ولا يستطيع المسئولون تأكيد ما إذا كان كوسبرت يقاتل راهنا في إحدى الجبهات داخل سورية. وقبل شهور قليلة وحسب، سرت شائعات بأنه قتل في معركة في حلب. ومنذئذ، يبدو أنه أعاد تأسيس اتصالات له مع أشخاص قريبين منه في ألمانيا.
وفي الأثناء، يبدي المسؤولون الألمان قلقاً بشكل خاص من قدرات ديسو دوغ على أن يكون ناطقا دعائيا. ويقول محللون إنه أعد شريط فيديو قبل توجهه إلى الجبهة، والذي دعا فيه المسلمين للذهاب إلى سورية والقتال فيها، وهو ما حدا ببعض الأفراد المترددن من مشهده هنا في الوطن إلى أن يحذوا حذوه. وإذا بدأ في تجميع أشرطة فيديو من سورية نفسها، فإن المسئولين الألمان يخشون من أن يكون لمادتها تأثير أقوى من ذلك.
لقد استغرق الجهاديون الدوليون وقتا طويلا قبل انضمامهم إلى الانتفاضة في سورية. وفي الحقيقة، وفي شباط (فبراير) 2012، بعد عام تقريبا من اندلاع الثورة السورية، انبرت شخصيات بارزة في تنظيم القاعدة لتكرار ذكرها على الملأ. وقد تجلى ذلك عندما قال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، في شريط فيديو: "إنني أدعو كل مسلم إلى مساعدة إخوانه في سورية بالقدر الذي يستطيعه". وفي آذار (مارس) 2013، وجهت أولى الدعوات باللغة الألمانية للتوجه إلى سورية. ودعا هاجان إم، الذي عاش في مدينة "كاسل" في وسط ألمانيا لعدة أعوام، دعا الألمان في شريط فيديو للانضمام إلى "الحرب المقدسة" في سورية.
الدخول إلى سورية سهل مقارنة بوزيرستان
كان مسئولو الأمن الألمان يشعرون منذ أشهر بقلق جدي من قدرة سورية على اجتذاب الجهاديين الألمان. وفي أواخر العام 2012، قال رئيس وكالة الاستخبارات الأجنبية الألمانية "BND" لمجموعة صغيرة من كبار المسئولين الأمنيين في برلين، إن الانضمام إلى الثورة ضد الدكتاتور بشار الأسد، وحتى الأكثر من ذلك، الانضمام إلى كتائب جبهة النصرة الإسلامية المتطرفة، قد أصبح أمراً أكثر جاذبية بكثير للمقاتلين المتطوعين مقارنة بالسفر إلى منطقة الجبال الوعرة الممتدة على الحدود بين أفغانستان وباكستان. وتعتبر جبهة النصرة تنظيماً منبثقاً عن تنظيم القاعدة في العراق، وتقول وزارة الخارجية الأميركية إن هذه المجموعة تكون على اتصال بين الفينة والأخرى مع كبار قادة تنظيم القاعدة في باكستان.
أحد المسوغات الرئيسية التي تجعل الجهاديين الألمان يتوجهون إلى سورية هو سبب بسيط؛ فالرحلة إلى هذه الجبهة تبقى أكثر سهولة بكثير من السفر إلى وزيرستان. كما أن العديد من الأشخاص الذين توجهوا إلى معسكرات الإرهاب التابعة لحركة طالبان أو المجموعات المتشددة الأخرى في باكستان وأفغانستان تعرضوا للاعتقال في إيران أو في واحدة من البلدان المجاورة الأخرى. لكن المقاتلين المتطوعين من أوروبا يستطيعون في معظم الحالات السفر إلى تركيا من دون تأشيرة. ومن جنوب ذلك البلد، ثمة مسافة قصيرة إلى سورية حيث يكون من السهل تجاوز الحدود.
على ضوء العدد الضخم من المقاتلين المخضرمين المتطرفين المتواجدين أصلاً في المنطقة، يعتقد المسئولون الألمان الآن بأن الجهاديين القادمين من ألمانيا لا يلعبون دوراً بارزاً في سورية. ويشير هؤلاء المسئولون إلى أن نسبة من الأموال التي يستخدمها الثوار لتسليح وتجهيز أنفسهم تأتي من ألمانيا. ويعرف البوليس الألماني بأمر الرحلات المتكررة التي يقوم بها –على سبيل المثال- المواطن البرليني رضا صيام، إلى الجبهة. وفي كل مرة، يقال إنه يحمل معه في حقيبته عدة آلاف من اليوروهات التي تم جمعها من أشخاص ينتمون إلى دوائر راديكالية في عموم ألمانيا.