واحد وخمسون عاماً وما زالت بعضُ القنوات والصحف تتحدَّث عن الثورة كأنها قامت انتقاماً من أسرة بيت حميد الدين فقط، ولم تقم ضدَّ فكرٍ لم يعد يتناسب مع ذلك الجيل الذي كان يطمح إلى مستقبلٍ أجدَّ، وإلى قادمٍ أجملَ وأبهى لليمن الذي حرصوا على بقائه سعيداً، فقاموا بإطلاق شرارة الثورة وقدموا أرواحهم فداء لهذا الوطن الغالي.
واحد وخمسون عاماً مرَّت على قيام الثورة اليمنية، وما زلنا نحتفل بالثورة كحدث، ونغفل أهدافها، ونتحدث عن بيت حميد الدين والعهد الكهنوتي وننسى المستقبل.. نتحدث عن ثلاثية الجهل والفقر والمرض التي قامت الثورة ضدها، ونتجاهل الحديث عن المشاريع المستقبلية التي تهتم بالتعليم والصحة، كأهم عنصرين لبناء الإنسان.
نتحدث عن الجهل الذي كان سائداً، وننسى أن الدولة لا زالت تنفق مليارات الريالات على مدارس وبرامج محو الأمية، وعلى المشايخ أيضاً..
ونتحدث عن الفقر قبل الثورة، وننسى أن جولات اليمن بأكملها مليئة بالمتسولين والأطفال والعجزة..
نتحدث عن المرض، وننسى أننا لا نمتلك أسرَّة كافية لمرضى الغسيل الكلوي.. وليس لدينا ماء صالح للشرب.. وننسى أيضاً أن بعض مستشفياتنا هي الطريق الأسرع إلى الموت، وأنها ليست أكثر من مقابر مؤثثة.
مجلة الحكمة، كانت أول مجلة ثقافية تصدر على مستوى الجزيرة العربية، عام 1938، وكان الاشتراك فيها إجبارياً لكلِّ موظف يصل راتبه إلى عشرة ريالات فرانصي..
وكانت أول سينما وأول مسرح في عدن، وأول إذاعة وأول قطار.. ومعظم الناس لا يدري أن المعلا كان فيها قطار عام 1018م..
أتمنى أن تغضُّ الدولة طرفها عن الاحتفال بعيد سبتمبر، فلسنا بحاجة إلى الاحتفالات ودماء الشهداء تسيل بكل الشوارع، ولسنا بحاجة إلى الاحتفالات ونحن ما زلنا تحت رحمة كلفوت، قابعين في الظلام الذي قامت ثورة سبتمبر للقضاء عليه.