تمرُّ من جولة القيادة في التاسعة ليلاً، وأنت مغلق زجاج سيارتك لشدة البرد، فترى امرأة مُسنَّة تمشي على عكَّازين، وقد ربطت كيساً بلاستيكياً على صدرها تضع فيه المناديل، التي لا يشتريها أحد في تلك الساعة من الليل.. يحدث هذا دون أن ينتبه أحد!!
يحدث أن ترى طفلاً حافياً يقفز بجوار سيارتك وبيده خرقة يحاول أن يمسح بها زجاج السيارة لتمنحه عشرة ريالات.. بالتأكيد هو لا يحلم بشراء جاكيت يقيه البرد، ولا يفكر بشراء حذاء كي يحمي قدميه من التشقُّق.. كلُّ ما يفكر به هو أن يعود بعشاء إلى أمه وإخوته الذين ينتظرون عودته ليتناولوا العشاء، كي يناموا مطمئنين إلى أن أحلامهم لن تكون مليئة بالأرغفة..يحدث هذا دون أن ينتبه أحد!!
يحدث أن ترى صبياً في العاشرة يطرق زجاج السيارة ليلتفت إليه السائق ويشتري منه قارورة ماء.. أكثر ما يؤلم هذا الصبي أن السائق لا يعيره التفاتة، بل يرفع أصبعه باتجاه السماء، ويقول له: الله كريم، رغم أنه يجاهد ويقف تحت الشمس والبرد وهو يحمل الماء المثلَّج كي لا يقع في فخّ التسوُّل.. يُفترض أن يكون هذا الصبي في المدرسة، لكن والده مات وترك له أماً وإخوة ليس هناك من يعيلهم، فضحَّى بدراسته لأجل أن يُطعم إخوته، ومثل هذا الصبي يكون صيداً سهلاً لجماعات التطرف والإرهاب..يحدث هذا دون أن ينتبه أحد!!
تتحدث الدولة عن مشاريع وعن مستقبل آمن وزاهر، وهي لا تولي المواطن أي اهتمام، رغم أن بناء الإنسان لا بد أن يكون سابقاً لبناء الأوطان.. لكن المواطن غائب تماماً من ذهن الحكومة التي لن تستطيع أن تنجز شيئاً قبل أن تؤهل إنساناً يقدر أن يبني هذا الوطن.