المبالغة في تهويل الأمور مزعجة ومقززة.. والمبالغة في الإهمال والتطنيش أكثر إيلاماً من وضع حفنة ملح على جرح مفتوح يبحث عمَّن يرتقه..
صحف صفراء تنشر أخباراً لا علاقة لها بالحقيقة التي هي أساس المهنة، وصحف تنشر عناوين عريضة لأخبار وتحقيقات لا تستند على شيء، سوى البحث عن مزيد من الجمهور، ومزيد من المبيعات والإعلانات.
مات الشاعر محمد الشرفي، وصدرت بعض الصحف في اليوم التالي دون أية إشارة إلى ذلك.. واغتيل عبدالكريم جدبان ولم تنتبه بعض الصحف إلى تعزية أهله أو الحديث عن الجهات المختصَّة المتقاعسة عن القيام بدورها في مثل هكذا حالات.
تكررت مظاهر القتل، الذي أصبح يُمارس كل يوم في الشوارع وبالقرب من المؤسسات المعنية بحفظ الأمن، إلى حدّ اعتياد الناس على هذه المظاهر، ولم يعودوا يخافون من هذه الأحداث أو يهابونها كما كانوا في السابق.. فالاعتياد أفقد الناس هيبة الموت وسلبهم إحساسهم بقساوة القتل ومضارّه الاجتماعية والنفسية..وهنا أتذكَّر الشاعر عبدالله البردوني وهو يقول:
فوجٌ يموتُ، وننساه بأربعةٍ... فلم يعد أحدٌ يبكي على أحدِ.
وحين تزداد نظرة الناس الاعتيادية تجاه القتل سيصبح هو الظاهرة، والموت الطبيعي هو الاستثناء.. في بلد ينام كلَّ يوم على أصوات الرصاص، ويصحو على أخبار قتلى الدراجات النارية التي تملأ الشريط الإخباري المتحرك في كل قناة، وتتصدَّر واجهات الصحف وأحاديث ركَّاب الحافلات، الذين لم يعودوا يخوضون في شيء سوى أحاديث الدماء والدمار.
كان سائقو السيارات يزيِّنون سياراتهم بألوان ولواصق فيها عبارات تعكس نفسية صاحب السيارة.. الآن أصبحت السيارات مليئة بصور القتلى وضحايا الاغتيالات، وصار أغلبهم لا يضع عاكساً، فقد صارت صور القتلى تفي بهذا الغرض.