أتجمَّل كثيراً، وأنا أعرف أني أشبه بكفنٍ تمَّ تطريزه ..
لا شيء أكثر إيلاماً من المعرفة.. أصبحت خارطتي محدودة.. شارعٌ واحدٌ يربطُ بين البيت والعمل.. شارعٌ مليءٌ بنقاطِ التفتيش، وعساكرَ يحملون كشافاتِ ضوء لا تبحثُ عن شيء.. وبنادق متأهبة لمواجهة عدوٍّ ما يزال غير متوفر بعد.
شارعٌ يبدأ في استقبال النساء، من الرابعة عصراً، كمواعيد عيادات الأسنان، ولا يتعبن مطلقاً في العثور على سائقٍ أخرق، يـُلصقُ على وجهه ابتسامةً مؤقتةً لا يلبث أن يدفع ثمنها، حين يصل إلى نهاية الشارع.
للهزائم زبائنها الذين لا يتعبون من ارتياد حاناتها، لاحتساء كأسٍ يظنون أنها الأخيرة.. لكنهم يعاودون الكرَّة بحثاً عن النصر في ذلك الشارع، الذي يغريهم اسمه كثيراً .
أعبر ذلك الشارع وأنا أتهجَّى مرارة الإسفلت، وأتمعَّن في قراءة اللوحات الإعلانية بفضول مصحِّحٍ لُغويٍّ يقضي نصف يومه محاطاً بأخطاء الآخرين التي شغلته عن عيوب نفسه.
في ثلث الليل الأخير، لا شيء سوى الوحشة تنصبُ شاراتها في كلِّ منعطف.. والخوف يوزِّع فزَّاعاته على الأشباح، كما توزع شاحنة الشرطة معاطفَ المطر على رجال المرور.. وصبيٌّ يبيع البطاطا المسلوقة، وقد أشعل قنديلاً غازياً كبيراً مثل كرماء العرب، الذين كانوا يشعلون النار أمام خيامهم بانتظار عابر سبيلٍ يفرحون بإطعامه..
من يشتري منه في هذه الساعة المتأخرة؟
أحد أصدقائي قال: الأمر أكثر من مجرد بطاطا مسلوقة!!
لهذا الشارع تفرُّعاتٌ كثيرة، وسائلةٌ تغسلُ السيارات الآثمة من خطايا الطواف حول جولة (آية).