وما نزال عند عادتنا.. نمسك بالوطاف ونترك الحمار.. نشوه سمعة الجِمال التي اقتحمت مطار الحديدة، ولا نشير إلى أسماء الجمَّالين أومن يقف خلفهم.. وأخيراً ها نحن نحتجز الدراجات النارية بالجملة، ولا نلقي بالاً للقبض على من ارتكبوا جرائم الاغتيال بصلف متواصل.. والأمر برمته لا يختلف كثيراً عن رصيدنا البائس في القبض الدائم على الجثة وترك القاتل والخيوط المؤدية إليه.
* من الحماقة أن لا يقر الجميع بكون شوارع العاصمة صارت أفضل في غياب الدراجات النارية, بعد أن تحولت إلى أبرز عناوين للعبث المنفلت في حركتها المحفوفة بالمخاطر.. ولكن من الظلم أن تعمل الدولة على إغراق البلد بحوالي مليون دراجة نارية، ثم تكتشف فجأة أن هذه الدراجات شر ماحق، بعد أن يكون أصحابها اعتمدوا عليها وسيلة يتيمة للرزق.
* وحتى لا نبخس جهاز المرور والأمن واللجنة الأمنية أشياءهم، مهم الاعتراف بأنهم أثبتوا هذه المرة أننا أمام قرارات " تقط المسمار ".. فاليوم الأول من نصف شهر الحظر يفضي إلى احتجاز 500 دراجة نارية قام أصحابها بكسر الحظر، فكان ما يكون من ثنائية الصراخ على الدراجة المحتجزة والرزق المقطوع.
* وددت التصفيق لأصحاب القرار، لولا مجموعة ملاحظات تصيب الراغب في التصفيق بمرض شلل الرعاش.. فالقرار رغم أنه جعل حركة الشارع أحلى، والحياة أهدأ، إلا أنه أوقع أصحاب الدراجات ممن يعيشون عليها في ثنائية الإحباط الشديد وقسوة الحاجة.
* بالسؤال عن الهدف من حظر حركة الدراجات، تنوعت الإجابات، وصارت خليطاً من حبوب "القشّام".. هذا يقول بأنها أسباب تنظيمية.. وذلك يقول بأنه اختبار لما إذا كان ما يزال "المتوور" يهاب الدولة.. وثالث يؤكد أن الأمر مجرد قرصة أذن من الأب الذي يعرف مصلحة أبنائه المتهورين.
* على أن كثرة التبريرات لم تقنع أحداً، لأنه إذا كانت الدراجة في أمانة العاصمة مصدر خطر، فقد شكلت خطراً مماثلاً في وادي حضرموت.. فما الذي يجعل الدراجة هنا مجرمة وتستحق الاحتجاز والدراجة في بقية مدن اليمن بمنأى عن أي تهمة؟ وهل سائقوا الدراجات في صنعاء فقط يستحقون قرص آذانهم؟ ثم ما الذي منع إصدار التنظيم اللازم وإعطاء كل الدراجات فرصة لترتيب أوضاعها وملاحقة من يخالف؟
* فعلاً إحنا بلد يعيش في أوضاع مقيل يطلِّع ومقيل ينزِّل.. وآخر الأسئلة.. هل الدراجات النارية في العاصمة هي الوحيدة قادرة على ارتكاب الجرائم، أم الناس هنا يحظون بأهمية لا يحظى بها من في بقية مدن اليمن؟!
* الدراجات النارية في بلادنا عنوان للفوضى.. لكن لا يفوقها في الفوضى إلا قرار المواجهة الانفعالي والانتقائي.. فضلاً عن أن الدولة التي سمحت بوصول كل هذا العدد من الدراجات بالجمارك والتهريب، والفرجة والتواطؤ، هي مسئولة قانونياً وإنسانياً عن معالجة أوضاع الذين تحولت الدراجات عندهم إلى "سبوبة رزق"..
* باختصار.. التصدي لفوضى الدراجات النارية وأخطارها يحتاج لدراسة عاقلة وعادلة تفضي إما إلى تنظيم حركتها وضبط من يسيء استخدامها، أو تأمين أصحابها معيشياً.
وبعدها لا بأس من إلقاء جميع الدراجات في البحر!