عبدالمجيد التركي
احتفلت الطوائف، في كلِّ بلد إسلامي، بالمولد النبوي الشريف، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.. وكلٌّ احتفل بطريقته.. فظهر من يؤكد وجوب الاحتفال، وظهر أيضاً من يطلق الفتاوى بتحريم هذه الاحتفالات التي هي أقرب إلى البدعة منها إلى اتباع للسنة.. تذكرتُ قصيدة البردوني- رحمه الله- التي كتبها في الستينيات، وكأنه كان يستقرئ الوضع الذي وصلنا إليه، أو أنه كان يعاصره ورآه سيستمر إلى ما لا نهاية.. كانت الثورة حاضرة في قصيدة البردوني النبوية، وكانت عدن والسماسرة والجنوب حاضرة أيضاً في هذه القصيدة التي كانت أشبه بشكوى إلى النبي مما نعيشه.. يقول البردوني: أرض الجنوب دياري وهي مهد أبي ... تئنُّ ما بين سفَّاح وسمسارِ يشدُّها قيد سجّانٍ وينهشها ... سوطٌ، ويحدو خطاها صوت خمَّارِ تعطي القياد وزيراً وهو متَّجرٌ ... بجوعها، فهو فيها البايع الشاري فكيف لانت لجلَّاد الحمى عدنٌ ... وكيف ساس حماها غدرُ فُجَّارِ؟ وقادها زعماءٌ لا يبرُّهمُ ... فعلٌ، وأقوالهم أقوالُ أبرارِ أشباه ناس وخيرات البلاد لهم ... يا للرجال وشعبٌ جائعٌ عارِ أشباه ناس دنانير البلاد لهم ... ووزنهم لا يساوي ربع دينارِ ترى شخوصهم رسميّة، وترى ... أطماعهم في الحمى أطماع تجارِ أكاد أسخر منهم ثم تضحكني ... دعواهم أنهم أصحاب أفكارِ. رحم الله البردوني، هذا الرجل الذي كان يرى ما لا يراه المبصرون، رغم فقدانه نعمة البصر.. فما جدوى البصر دون بصيرة، وما جدوى البصر الذي يغضُّه أصحابه تجاه وطن يتهاوى دون أن يلتفت له أحد!! البردوني.. هذا "الرائي في الزمن الأعمى"، كان يخبرنا كثيراً بالنتائج قبل حدوثها، وهو يوقن أن لنا عيوناً لا نبصر بها.