في مجتمع تضيع فيهالعدالة الاجتماعية، يتحوَّل الشخص فيه إلى فرد بلا ذات، يحتمي بلقبٍ أو عائلة أوعشيرة، لينضوي ضمن قطيع معيَّن.. وهكذا حين تتغير المفاهيم الحقيقية للإنسان، ومايتعلق به من مفاهيم فطرية أيضاً، مثل الدين في المجتمعات حين أصبح فارغاً منمحتواه الحقيقي، وهو المحتوى الروحي والفطري المخلوق مع الإنسان، ليتحوَّل إلىسلطة قمعية، يمارسها الفرد ضد نفسه وضد الآخرين، إلى أن يصبح سلاحاً يريق الدماء،فلم يعد المجتمع يستوعب معنى الاختلاف والهوية والحرية الفردية في ظل قانون يحكمالجميع ويضمن حقوق الإنسان، مهما كان اعتقاده وتوجهه.
نحن أمام إشكالية عميقة تتجذَّر في البنية الاجتماعية للتكوين العربي،نحارب الإرهاب على الصعيد السياسي والعسكري، ونغفل عن محاربته داخل تكوينناالاجتماعي.. الإرهاب سلسلة معقدة بدأ تكوينها من داخل الأسرة، وقد بدأ من تلكالأفكار والمعتقدات الخاطئة التي نشأت عليها أجيال المجتمع، العلاقات الأسريةأولاً، وأسلوب التربية القائم على القمع والترهيب، والطريقة الخاطئة في تنشئةالأبناء.
ثانياً: التدهور الاقتصادي والتعليمي والصحي.
باختصار ثلوث البيئةالمجتمعية في مختلف مناحي الحياة.
إنبدأنا من الأسرة فكم هي الأسر التي ارتقت لمستوى المدنية الحقيقية؟ وإن قمنابعملية المسح الميداني على مستوى العاصمة فقط، سنكتشف أن التطور الحقيقي لا يتعدىاثنين في المائة من الأسر التي في العاصمة، فما بالنا بأسر القرى الكثيرة فياليمن، والتي لا تزال بعيدة عن التعليم والوعي الاجتماعي وغيره.. فالمسيطر عليهاالأسلوب التقليدي الموروث، حيث تتخذ من الضرب والإهانة والقمع طريقتها المثلى فيتربية أبنائها.. وكم هي الأسر التي تحترم المرأة وتجعل منها كياناً مستقلاً صاحبقرار، لا مجرد تابع لا إرادة له ولا كيان، وكثيرة هي الأمثلة التي يمكن ضربها فيمقام تطور الأسرة وتخلفها، والتي تعدالبيئة الأولى في إنتاج الإرهاب الاجتماعي.. لم تنتج الأسرة اليمنية ذلك الجيلالقائد، المتسلِّح بالمفاهيم الحقيقية التي جاءت من أجله الأديان. وكل ما أُنتجإلى الآن جيل تابع، مقموع، وما السبب الرئيسي في فشل تقدم هذه الأسر ورقيها سوىالمعتقدات والأفكار المتجمِّدة الموروثة، وعمق الجهل حتى عند الفئة المتعلمة منها،فكيف إذاً نحارب الإرهاب ونحن المسؤولون عن إنتاجه؟.