ليس بمقدورنا استعادة الماضي ولا الهروب من تجلياته في الحاضر، وإنما بمقدورنا وقف تداعيات أخطاء تلامس في يومنا، وتغيير ذلك في الغد القريب والبعيد هذه هي خلاصة حركة التاريخ الإنساني من منظور فلسفة التفسير الاجتماعي لحركة التاريخ، ومن هذا المنظور تبدو جسامة المخاطر المحمولة على إمكانية تدمير المستقبل.
تضيع فرصة المستقبل أو يتعرض هذا المستقبل للتدمير حين ينغلق الحاضر على أزمات ماضية، وينكفئ المجتمع عن تصحيح الخلل السائد في لحظته الراهنة منشغلاً عن المستقبل الذي تتجه إليه حركة الأخطاء المتراكمة وتغيب عنه الرؤى المتطلعة إليه بإيجابية واعية وإرادة قادرة على الخلاص والتغيير.
دعوني أخرج بكم من عموم النظير إلى واقع الحال، لنقول إننا اليوم نواجه أخطاء وخطايا الأمس الذي صنعناه بأيدينا وكسبناه بأنفسنا، وهذه المواجهة تقتضي من اليمنيين جميعاً، سرعة الوصول إلى المعالجات الممكنة والمتاحة للأزمة الوطنية ومشكلاتها المختلفة ومن ثم وقف حركتها الراهنة في الحاضر والخروج بهذا الحركة إلى ما تريده لها ومنها من اتجاهات نحو المستقبل المنشود.
تواجه اليمن مشكلات معقدة على خلفية الإهدار والتبديد اللذين حكما الواقع في الماضي القريب، وقد أضيفت إلى تعقيدات هذه المشكلات الموروثة مضاعفات الحراك الاحتجاجي الشعبي الذي انطلق عام 2011م مطالباً بالتغيير، وقد كان مقدراً للعملية الانتقالية أن تنجز في عامين أرضية مؤسسية لتجاوز أزمة الماضي والاتجاه بالحاضر نحو يمن جديد في المستقبل المنظور لكن ما تجلى في الواقع هو استمرار الارتباط بأزمات عن رؤية المستقبل الذي يتقدم نحونا مثقلاً بواقع مأزوم وعجز كامل عن رؤية مخاطره ومواجهتها.
وبصريح العبارة نقول إن توقف عملية التنمية والتخطيط للمستقبل خلال ما يزيد عن عقد من الزمان، تم فيه تبديد الموارد وإهدار القدرة والجهد في الفساد والصراعات، أقول إن هذا يضعفنا ونحن في وضع منهك بصراعاته وفاقد لقدرته ومقدراته الأمر الذي يجعلنا ندفع ثمن ذلك كبيراً وجسيماً، وعلى الذين يراهنون على أن المزيد من التبديد والإهدار يمنحهم وضعاً أفضل في المستقبل أن يراجعوا هذا الوهم وأن يدركوا أن الكارثة لن تجعل أحداً بمنأى عنها.
تستدعي أوضاعنا الراهنة سرعة في وقف حركة الانهيار المتزايدة اقتصادياً والتوقف عن إهدار الفرصة السانحة وتبديد القدرة المتاحة على تجاوز مشكلات الحاضر وإنجاز قدر من التحول إلى بديل تتمكن به من خلاله من تجنب تحديات العجز ومخاطر الفشل والانهيار.