فكّر وقدّر، وقرّر أن لا مكان في اليمن للنصرانية، ومضى في استئصالها، ليكتشف، لكن بعد فوات الأوان، أن لا مكان له في اليمن، فانتحر في البحر..!! هذه قصة الملك الحميري اليهودي «ذو نواس»، «يوسف أسأر»، والذي كان بإمكانه، أن لا يدفع حياته ثمناً لحقيقة مجانية واضحة، وهي أن اليمن تتسع للجميع، باستثناء أولئك الذين لا تتسع قلوبهم ولا أخلاقهم للآخرين.!
لم تكن النصرانية أحق من اليهودية، ولا العكس، ولكن الله انحاز بشكل مطلق للنصارى المضطهدين أهل الأخدود، وذكر قصتهم في «القرآن الكريم»، في إدانة إلهية بالغة للمحارق والأفكار الشمولية، وتأكيد إلهي بليغ لحرية الفكر والاعتقاد، رحل ذو نواس وحده، واتسعت اليمن من بعده لليهود والنصارى والوثنيين.. كما اتسعت للمسلمين السنة والشيعة والخوارج والمعتزلة.. كما تتسع اليوم للحوثيين والإخوان والوهابيين والقبائل.. وإن كانوا لا يريدون ولا يحاولون توسيع قلوبهم لبعضهم بالشكل الذي تتسع له الحياة.
اليمن للجميع وبالجميع، أما غير المرغوب ولا المرحب بهم في اليمن، فهم الذين لا يرغبون ولا يرحبون بالآخرين، وينظرون باشمئزاز وحنق لحق التنوع والاختلاف. كانت اليمن دائما وستظل تتسع للأديان والطوائف والأحزاب والإيديولوجيات.. والفرق جميعا باستثناء «الفرقة الناجية».! تاريخ الانقراض مليء بالفرق الناجية، «الفرقة الناجية» مصطلح عام لأي فرقة شمولية ضالة، تشعر بامتلاك الحقيقة المطلقة، وتكفر الفرق الأخرى وتريد محوها.. فإذا كان هناك من يجب أن يُمحى ويرحل فهم هؤلاء الدخلاء على الحياة والثقافة والتاريخ. كما أن تاريخ الخيبة مليء بالأشخاص الذين يكررون خطأ ذي نواس الحميري، ويقعون في نفس النهاية الفادحة، كالتهديد الشهير الذي وجهه «آل الأحمر» لرعيتهم في حاشد: من تحوّث في حاشد دمه دم حنش، ولن يبقى ليلة في بيته».!! هكذا بكل غطرسة الطغاة وعجرفة الأعراب هددوا رعيتهم أبناء قبيلة حاشد، بالقتل أو التهجير، في حال خروج أي منهم عن السيطرة..! لكن ما حدث، وخلال أيام قليلة، هو أن آل الأحمر هم من شُردوا عن ديارهم، يلاحقهم التهديد بالقتل، ليشاهدوا عبر الفضائيات تفجير بيوتهم ومعاقلهم بأيدي رعيتهم الذين انضموا إلى أنصار الله.!..