أتذكَّر جيداً حين كانوا يأخذوننا في رحلاتٍ مدرسيةٍ إلى مصنع الغزل والنسيج، الذي كان نقلة حضارية واقتصادية كبيرة، وكان حصناً حصيناً للوطن والمواطن.
"ويلٌ لشعب يلبس مما لا يصنع".. مقولة قديمة كانت معلَّقةً على باب مصنع الغزل والنسيج في الثمانينيات، حين كانت مدخنة المصنع تثرثر بالإنجازات العظيمة كلَّ صباح.. فقد كان هذا المصنع يغطِّي محافظات الجمهورية بملابس الجيش والزي المدرسي، والستائر الملوَّنة التي ترتديها النساء، وستائر النوافذ والطرَّاحات والأكفان.. بمعنى أننا كنا في اكتفاءٍ ذاتي في ما يخصُّ الأقمشة وأزياء الجيش والطلاب، التي نستوردها الآن بملايين الدولارات من الصين الشعبية.
تعطَّل المصنع منذ سنوات طويلة، وأصبح موظفوه عالةً على الدولة التي تصرف مرتباتهم وهم نائمون على وسائد البوليستر الصينية، بعد أن كانوا ينامون على مخدَّات محشوَّة بالقطن المحلِّي صنعوها بأيديهم.
بعد أن توقف المصنع بسنواتٍ عديدةٍ سمعنا أن الصين تبرَّعت بمكائن جديدة لتشغيل المصنع الذي كان يدعم اقتصاد اليمن إلى حدٍّ بعيد.. وسمعنا أيضاً أن هناك من قام بوضع هذه المكائن في حوش المصنع وتركها عُرضةً للشمس والريح والمطر حتى أكلها الصدأ..هل كان الصينيون أحرص منا على إعادة تشغيل المصنع، كي نعتمد على أنفسنا ولا نستورد منهم، ونحن كنا نكافح لأجل إبقائه معطَّلاً !!
وسمعنا أيضاً أن هناك من كان يعرقل هذه الجهود الهادفة لإعادة تشغيل المصنع، لأن هناك تجاراً نافذين يستوردون الأقمشة وملابس الجيش والأزياء المدرسية من الصين، ولن يكون تشغيل المصنع في صالحهم..ولا ندري أين الحقيقة في الكارثة التي أصابت هذا المصنع!!
أحرى بالدولة أن تجعل إعادة تشغيل مصنع الغزل والنسيج نصبَ عينيها لإعادة مجدٍ افتقدناه، وأصبحنا بعده مستهلكين ومتسوِّلين.