أمس زرت مركز الكبد بصنعاء أتفقد كبدي على يد الطبيب الماهر الدكتور محمد سالم علي، وبينما أنا في الانتظار كان المصابون في أكبادهم جلوس في الصالة كل واحد يحكي تجربته في علاج الكبد بالكي، وأين يكون أفضل الكي، ومن هو أحسن كاوي.
قال واحد إنه اكتوى عند صاحب عمران، وهو أفضل واحد لأنه يختار المكان المناسب من الجسم ويضع عليه المكوى. قلت له: أين أفضل مكان من الجسم توضع فيه المكواة؟ حسر مشدته من على رأسه وأشار إلى وسمة في ناصيته، وقال : هانا.. ثم رفع كم الكوت عن يده اليمنى وأشار إلى ميسم في رسغه، وقال: وهانا.. ثم أشار إلى ميسمين في عقب رجله اليمنى ورجله اليسرى، وقال: وهانا، وهانا!!
المهم الرجال كله أوسمة، وفرح بها ويمتدح الكاوي الذي كواه، بينما في عينيه صفرة وفي وجهه غبرة، ولم يكن الوحيد، فآخرون أيضا قالوا إنهم اكتووا، وكل واحد ينظر لوجه الثاني كأنه نطاس، ويقول له: علاجك مكوى عند صاحب كحلان؟ أما أنت لو رحت عند صاحب مأرب أمانة يطرح لك مكوى هنيه وبس!
واحد كبير السن قال ابنه إن كبده متعب للغاية، دخل إلى العيادة رجل آخر يتوجع ويمسك به اثنان ويودون مقابلة الطبيب على عجل، رفع كبير السن عليل الكبد بصره يتأمل في وجه ذلك المريض، ثم قال: هذا دواؤه اثنين مكاوي هنيه أهه!!
خلاصته.. قرح قلبي.. أناس مصابون في أكبادهم، وبينما هم ينتظرون لحظة الدخول إلى الدكتور طلبا للنجاة بعد اليأس من المكاوي، يشغلون لحظات الانتظار بحديث "يكبد" عن الأكباد ويتناصحون حول أفضل كواء يشفي الأكباد بحرق الجلد بالحديد والنار.
قلت: طيب يا إخواننا، تأتون إلى مركز طبي تبحثون عن علاج الطب الحديث لأكبادكم، وفي نفس الوقت، تتناصحون فيما بينكم، روح للكاوي صاحب عمران، علاجك عند الكواء صاحب مأرب أو صاحب كحلان.. ما هذا؟ وبعدين، واضح أن كل واحد منكم قد جرب الكي، بدليل أن هذا موسوم في جبهته وهذا في بطنه وهذا في رسغه وهذا في قدميه.. قولوا لي ليش أنتم هنا؟
قال واحد: قد قالوا في المثل آخر الدواء الكي، وما ضرنا لو جربنا الطب الحديث.. قلت: بل بدأتم بالكي، إلى متى سنظل زباين للمشعوذين يضحكوا علينا يا ناس.. ما دخل المشعوذ أو الكاوي بفيروسات وبلهارسيا وسموم الكبد..