لا أدري لماذا يفقد الإنسان صوابه حين يتم تعيينه وزيراً أو سفيراً.. فلا يكاد يجلس على كرسيه إلاَّ وهو يختلق لنفسه أعداءً افتراضيين لا وجود لهم إلاَّ في رأسه فقط.. فيتخيَّل أنه الضارُّ والنافع والمُعطي والمانع.. وأن أرزاق الموظفين بيده، يوجِّه بالصرف متى شاء ويمنع متى أراد.. ويتدخَّل حتى في حافظات الدوام وكأنه موظف شئون إدارية!!
أتذكَّر مقولةً تفيد بأن الوزير إذا دخل الوزارة فقد نصف عقله، وإذا خرج فقد النصف الآخر..
كان صديقي يرسل لي كلَّ يوم رسالة، ويهنئني بالجمعة المباركة، ويتصل بي لأخزن في مقيله.. وحين أصبح وزيراً قام بتغيير موبايله القديم الذي أهداه لأحد أقاربه بكلِّ ما تحمل ذاكرة الهاتف من أرقام وأصدقاء.
يُقصي من أراد.. ويصفِّي حساباته الشخصية مع من تخاصم معهم في يومٍ ما، لأنه أصبح جالساً على كرسي يُمكِّنه من ممارسة كلِّ هذا دون أن يقدر أحد على الاعتراض.
صار يأتي على سيارة فخمة، رغم حديثه المستمر عن الأزمة المالية التي تمرُّ بها وزارته، ولم يعد يذهب إلى أسواق القات، فالإتيكيت يقتضي أن يأتي المقوِّت إلى بيته بأجود أنواع القات..
رئاسة الوزراء لا تدري ماذا يدور في أروقة الوزارات، لأنها تجتمع بالوزراء كلَّ يوم ثلاثاء وتستمع إليهم فقط، وتعتمد ما يقولونه.. وفي اعتقادي أن رئاسة الوزراء بحاجة إلى النزول إلى الوزارات- ولو لمرة واحدة- للاستماع إلى الموظفين والمتعاقدين وتلمُّس أحوالهم، كي يعرفوا ما الذي يجري خارج اجتماعاتهم وتحت طاولاتهم المستديرة.