اللغة مُكونٌ يسكنُ الشخصية الإنسانية بقانون فطري للأشياء، ويحاول العقل ترجمة ما حوله ليجد ما تعكسه البنية اللغوية من معانٍ، تلك المعاني التي تحدد شكل العلاقة بين الإنسان وما حوله.. وقد علَّم الله آدم الأسماء كلها، بحيث يستطيع أن يبني علاقات صحيحة بينه وبين المسميات، والعقل الذي أُوتي قدرة عجيبة على التَـتَـبُّع والتأمل في كُنْه تلك العلاقات لاستنباط بنية سببية للأحداث والوقائع الكونية، إذن: هل اللغة التي نتعامل بها الآن هي البناء التكويني المنتهي إليه العقل البشري، بحيث تجعلنا نقف على المسميات ومعانيها الناشئة في الإدراك دون أن نجدَّ في النظر لتطوير آليات لغوية متطورة، وتبني مناهج في البحث اللغوي يُطبق في دراسة ما يستجد ويصل إليه الناس من علوم وأبحاث علمية!
القواعد التي أسسها القدماء لتعريف الناس بلغتهم العربية، ليست قوانين كونية لا تتغير، بل يجب البحث فيها، وإخضاعها للمتغيرات العلمية والواقعية، فالعقل مخزون بشري هائل، وهذا ما أثبتته المراحل التطورية عبر آلاف السنين.
عندما كانت اللغة عبارة عن أصوات، ثم أشكال يتم رسمها على الجدران، أو رموز، وغيرها، إلى لغة تعبيرية تتخذ أساليب كثيرة لإبراز المعنى وتوضيحه، وتتضافر عوامل كثيرة أدّت إلى جمود لغتنا، من بينها اكتفاء الدارسين بتلك القواعد التي اجتهد علماؤنا الأوائل على إرسائها في فترة زمنية واكبت الدراسات اللغوية حول القرآن الكريم.
نقف بين التغيير والنكوص مجدداً، وما زلنا نجهل أهم أدوات التغيير الحضاري، وهي"اللغة"، إذ لا حضارة دون فهم اللغة وتطويرها، وإن كانت اللغة العربية هي من أهم مقومات الحضارة في زمن غابر، لأنها احتوت الكتاب المقدّس وطُوِّرت ووضعت لها القواعد من نحو وصرف وبيان، فلا يمكن أن تقف على تلك الأزمان فقط وما وضعه العلماء فيها من قواعد، فالتطور سنة كل شيء، فمن غير المنطقي أن تقف اللغة هكذا، فلكل عصر مسار، ورياح يجب أن تحرك كل ما حولها.. هل نجد الآن أولئك العلماء في اللغة ؟
اللغة كائن يتطور معنا، فإن جهلنا ماهية اللغة وما تمثل من أهمية لأي أمة تنشد التقدم، والتأثير في جميع جوانب العلم، فذلك ما يجعلنا عاجزين أمام هذا البلوغ الهائل من تكنولوجيا وصل إليها العالم، حتى أننا لا نستطيع صياغة المناهج الدراسية والتعليمية للطلاب.