راقبوا جيدا ما يجري في محافظة الحديدة، لتعرفوا كيف تكبر القضايا في اليمن ويصير لها قرون وآذان بفعل السياسات الحمقاء في التعاطي معها. راقبوا جيدا لتتعلموا كيف تحولون مستقبلا دون تدرج الأزمات على هذا النحو، بعد أن يطال الإرهاق الجميع ويصبح البحث عن حل مهمة كل الأطراف، وليس الآن طبعا، حيث كل طرف مهتم بتحميل كل طرف مسئولية ما يجري.
بنفس طريقة استخفافهم اليوم بالحراك التهامي استخفوا أمس بالحراك الجنوبي، والكارثة أنهم لا يستفيدون من الدروس، رغم أن الأزمات اليمنية تتكرر بنفس الشكل، من بدايتها إلى ... ليس إلى نهايتها، لأن كل الأزمات في اليمن مفتوحة النهاية، على ما يبدو، بل إنها كذلك قطعا، وحدثوني عن أزمة، قديمة أو حديثة، عولجت.
كانوا يقولون إن ملف تنظيم القاعدة سيُغلق إلى الأبد بعد سقوط نظام صالح، لأن هذا النظام، من وجهة نظرهم، هو الراعي الرسمي للتنظيم. انتقلت السلطة، وفتحوا الجو والبر والبحر لأكثر من بلد أجنبي كي "يغلقوا" ملف القاعدة على طريقتهم، لكنه انفتح في أكثر من محافظة، ثم هادنوا القاعدة في نهاية المطاف.
سيقولون عن الحراك التهامي أشياء كثيرة: أنه مدفوع وممول من جهات غرضها عرقلة العملية السياسية، على اعتبار أنهم فقط أصدقاء المستقبل المنتظر، والآخرون أعداؤه، وقد يقولون إن دولا خارجية متورطة في دعمه، وربما تتوالى بيانات الداخلية بخصوص السفن التي تم ضبطها في ميناء الحديدة وهي محملة بأسلحة كفيلة بإبادة ملايين من اليمنيين، لكنهم لن يقولوا شيئا واحدا عن الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة.
دوما هناك هدف ما أو غرضٌ ما أو فاعل ما أو أي شيء ما، يقف خلف ما هو معلن. إننا نعيش أحداثـا خـارج سياقاتهـا الحقيقية، وسياقـات وهميـة لا أحـداث حقيقيـة لهـا. الحياة هنا مركبة بشكل عنيف جدا، ومربكة بشكل أعنف.. ويريدون بعد ذلك أن يعالجوا ما يفهمونه أو يتعاملوا معه بهذا الشكل.