كان يمشي وفي يده مايكروفون يصرخ فيه بأعلى صوته، وفي يده الأخرى طفلٌ صغير.. ليس بائعاً متجوِّلاً، ولا منكوباً يبحث عن معونةٍ ضخمةٍ لأن والده سائق بيجوت، وقدَّر الله عليه حادثاً في طريق الحديدة ومات جميع الرُّكاب ونجا السائق الذي يحتاج إلى دفع ديتهم جميعا ًليخرج من السجن، فهذه الموضة كانت في الثمانينيات، وبكثرة.
لم يكن هذا ولا ذاك.. فقد كان يستصرخُ أهل الحارة بأنه جائع ولا يريد أكثر من لقمةٍ يسدُّ بها جوعَه الذي جعله يهيم في الشوارع باحثاً عن لقمة فقط.
هدأ ذلك الصُّراخ حين وجد أمامه صحنَ أرزّ وقرصاً من الخبز وقليلاً من اللَّبن.. بدت علاماتُ الحياة على وجهه، لكنه لم يكن يبدو راضياً بما يقوم به، فقد كان يأكلُ وهو مُنَكَّسُ الرأس، وكأنه لا يريد أن يرى أحدٌ ذُلَّ السؤال في وجهه.
أكلَ وشبعَ وانصرفَ بكلِّ هدوء، حتى المايكروفونشبع ولم يعد يصرخ.. بالتأكيد أنه مضطر.. فبمجرد أن انتهى من أكله ذهب إلى حال سبيله ولم يعد يريد شيئاً.
يا الله.. كيف وصل ببعض الناس الحال إلى هذا المستوى من الفاقة والجوع!!
نعرف جميعنا أن هناك من يغلقون أبوابهم على جوعهم، وهم المتعفِّفون، وبالمقابل هناك من يبحثون في القمامة عمَّا يسدُّون به رمقهم..
يا رئيس الجمهورية.. يا رئيس الوزراء.. يا حكومة الوفاق.. كيف تهنأون بنومكم،وكيف يطيبُ لكم الزاد وهناك مواطنون في دولتكم لا يجدون قرصَ خبز!!
إن طال هذا الأمر فانتظروا ثورة الخبز التي لن ينجو منها أحد، فللجوع حدود.
الشوارع مليئة بهذه النماذج.. حاولوا أن تخرجوا دون أن يكون هناك من يغطِّي على أعينكم وسترون ما هو أكثر من هذا.