* كنا خمسة على طاولة مطعم زجاجي يطل على مساء صنعاني.. الدكتورة الباحثة والرسَّامة الصينية يان مي.. أحمد الجبر.. علي البيضاني.. وأحمد الصنعاني وأنا.
* الصينية يان مي تتحدَّث بحرقة حول ما يعانيه تراث اليمن التاريخي من الإهمال.. والحقّ أنها لم تكن تقدِّم مثيراً بالنسبة لأبناء بلد يئن تحت موجة من الصخب السياسي والترهُّل الإنتاجي.. لكن حديثها أخذنا نحو سماع كيف أنها تعرَّضت للنصب المتكرِّر ممَّن استعانت بهم لأن يكونوا دليلاً لها.. وليتهم كانوا كذلك.
* لقد استمعنا إلى أساليب تعامل مثيرة.. حيث يجيد الوزير والغفير اليمني إتلاف أعصاب مَنْ يتعشَّم فيه المساعدة على إنجاز مهمَّة ذات فائدة لليمن ولا تضيف شيئاً إلى حضارة سور الصين العظيم.
* تقول الدكتورة يان مي : هناك في تونس تعرَّفت على سفير اليمن الأستاذ يحيى العرشي.. الذي لفت نظره انشغالي بالتاريخ الشرقي.. فطرح فكرة أن أزور اليمن.. قمت بالزيارة وألَّفت كتاباً عن المعالم التاريخية والحضارية.. غير أنني شعرت بحاجة لتكرار الزيارة بعد عشرة أعوام.. هالني أن لا شيء تحقَّق في الاهتمام بهذه الكنوز التاريخية اليمنية العظيمة.. أمَّا الجديد فهو أنني حملت رسالة إلى المسؤول في صنعاء.. لكنني وجدت صعوبة في اللقاء به.. فيما أخذ مرافقي يتفنَّن في الوصول إلى ما بحوزتي من المال بطرق.. وكنت أعرف أنه دائماً يكذب.
* انتهى كلام يان مي لنجد أنفسنا كالواقعين في قفص الاتِّهام. كعادته أخذ البيضاني يبرِّر بطريقة «إن السماء ممتلئة بالنجوم رغم امتلاء الأرض بفائض المخلَّفات».. واكتفى أحمد الجبر بالتفاني في تقديم خدماته ليؤكِّد لها أن في اليمن الكثير من النماذج المشرِّفة.. وأخذ أحمد الصنعاني يهمس لنا بالقول : لو أنها جاءت للإنفاق على ورشة عمل لحوَّلوها إلى نقطة عسل.. لكنها في مهمَّة بحثية على حسابها الخاص. أمَّا أنا فقد قلت كلاماً كثيراً ولم أقل شيئاً.. وليتني استحضرت «أتمنَّى لو كان باستطاعتي الاستغناء عن الكلام».. والعبارة بتوقيع «كونفوشيوس».
* امرأة كبيرة في السنّ تزور اليمن للمرَّة الثانية لترسم بريشتها قلاع وأسوار وبيوت اليمن ذات القيمة التاريخية.. فلا تجد مَنْ يدعمها - فقط - بالمعلومات والإرشاد رغم وجود وزارة للثقافة وأخرى للسياحة.. والأدهى أن تجد مَنْ يتفنَّن في الاستيلاء على محتويات محفظتها.
* وحيث وهي مهتمَّة بتاريخنا المهمل وتقرأ العربية أتمنَّى عليها لو تقتنع بأنها قابلت ما هو أسوأ.. فيما الحقيقة الافتراضية أننا مشغولون - فقط - بالحوار والدولة المدنية وتجنُّب فكّ الارتباط.
* ويا أيَّتها القادمة من بلاد سور الصين وإحدى عجائب الدنيا.. قد يكون بعضنا لعب معك لعبة الإبرة والقشّ أو مدّ يده إلى محفظتك.. لكن ذلك ليس سوى الاستثناء الذي يؤكِّد أن الأصل هو أن الكرم والأخلاق خالدان في الضمير والعقل والوجدان اليمني.
* أكملي مهمَّتكِ البحثية ولوحاتكِ الفنِّية وستقفين على نماذج يمنية مبهرة في إكرام الضيف واحترام جهده.. وهو ما نتمنَّى أن يصل إلى أسرتكِ وأصدقائكِ وقرَّائكِ في بلدكِ العظيم.