مرَّت اليمن بعد وحدة شطريها بمرحلة انتقالية ارتضاها الشطران للإعداد والتهيئة لاندماج كامل بين نظامين متناقضين في الخلفية التي تقوم عليها فكرة الدولة.
كانت تلك المرحلة الانتقالية تجربة مؤلمة لنا نحن اليمنيين، سادتها النزعة نحو الاستحواذ على الآخر، ورمي تركات ثقيلة.. كل نظام باتجاه الآخر، وتشبث كلُّ طرفٍ بمنظومته الدفاعية حتى صارت دولة ذات جيشين.
لكن السمة الأبرز التي اتَّسمت بها المرحلة والتي طبعتها بطابع خاص هو دخول البلد في مرحلة التصفيات الجسدية التي نالت من قيادات وسطية فاعلة وقيادات عليا في الحزب الاشتراكي اليمني.
سلسلة الاغتيالات التي تمت توحي بأن من قام بتلك العمليات هم في ذلك الوقت أصحاب مشروع تدميري جديد يملكون منهجية واضحة طويلة الأمد، وما التكفير ضمن آلة إعلامية مدركة ثم الدخول في حرب صيف 94م وتقنين النهب والسلب الذي رافقه إلَّا باكورة إنتاج تلك الاستراتيجية.
نحن اليوم تجاوزنا بقليل منتصف المرحلة الانتقالية الثانية التي ارتضاها هذه المرة طرفا الأزمة السياسية التي كادت تعصف بالبلد، وبدأنا مع المرحلة الانتقالية مرحلة اغتيالات شبيهة بتلك التي رافقت المرحلة السابقة بكونها ضمن الاستراتيجية نفسها والمنهجية ذاتها واختلفت معها في المستهدَف كما اختلفت أيضاً في أساليب التصفيات، فكانت هذه المرة باستخدام (العبوات الناسفة) التي تتوالى بركاتها على اليمنيين من عسكريين ومدنيين.
المستهدَف هذه المرة هو المؤتمر الشعبي العام، والمستهدفون إلى الآن هم القيادات المؤتمرية الوسطية الفاعلة، إذا استثنينا طبعاً محاولة استهداف القيادة العليا للحزب في مسجد الرئاسة عام 2011م
خلال الأسبوعين الماضيين فقط في العاصمة صنعاء تعرض الفضلي وجخدم، اثنان من قيادات المؤتمر الوسطية، لتصفية جسدية نجحت إحداها بينما فشلت الأخرى.
طبعاً لم يكونا أول من اغتيل من القيادات الوسطية في المؤتمر، فقد اغتيل قبل ذلك رؤساء فروع في ذمار ورداع وغيرها من المحافظات.
أسلوب عمليات الاغتيال يشير إلى أن الذي يقف وراء هذه العملية هي جهة واحدة، ليست القاعدة بالطبع، لأن القاعدة تقوم بنشر بيانات أو تسجيلات إن كانت هي من تقف وراء عملية هنا أو هناك.
هناك دعوات سابقة تحدثت عن ضرورة اجتثاث هذا الحزب من الحياة السياسية اليمنية أسوة بأحزاب البعث العراقي، والوطني المصري والتونسي، ومن يدعو إلى اجتثاث المؤتمر لا يضيره أن يجتثَّ المؤتمريين!!
المضحك في الأمر أن المؤتمر الشعبي في العمليتين الأخيرتين اكتفى ببيانين.. الأول يستنكر ويشجب، والثاني بيان تأبيني يعدِّد مناقب الشهيد، وإن حمَّل الأجهزة الأمنية مسئولية ما يجري، مع أنه يعلم جيداً أن هذه الأجهزة لا تستطيع حماية نفسها في الوقت الحالي.
ومضة
استهداف أيِّ طرفٍ بغرض التصفية الجسدية لكوادره من قبل أطراف أخرى ستكون البلاد خلالها قاب قوسين من الفعل أو أدنى من ردة الفعل.