إطلاق لقب عاصمة الثقافة اليمنية على محافظة تعز في وضعها الحالي مدعاة للسخرية، الاسم لا يعطيها امتيازا، يمكننا القول إن تعز مكب نفايات مُشرع للريح والحرائق والمطر وخندق للمظاهر المسلحة لخطب التكفير وجدران الصراعات الطائفية وعبارات الذكريات والحب والجراح..
لا يمكننا إعلان تعز عاصمة الثقافة لأن بها عدداً من المثقفين يحتسون الأسى، إن صوت ألف مثقف في هذه المدينة التعيسة يبدده سُعال بندقية خارج عن القانون، يمكننا القول إن تعز مهيأة لأن تكون عاصمة للثقافة وهذا الأمر يتطلب مشروعا ثقافيا يُتبنى في المدينة.
إن الأصوات الثقافية في تعز تحتاج لمشروع حقيقي على الأرض لتخرج من حالة التنظير والتمني والحلم للاصطفاف بجانبه، مشروع ثقافي مدني تقدمي يُصادم كائنات وملامح القبح والتطرف، ومشروع كهذا حريٌّ به أن يكون كفيلا بأن ينتشلهم من قاعِ الثقافة المبتذلة إليه.
تحتاج تعز إلى مشروع حقيقي متكامل يُعيد الروح لكل الشخصيات الأدبية والفنية التي لم تجد من يقف إلى جانبها وذهبت لتبحث عن لقمة العيش، إن أكثر من نصف الموسيقيين والمسرحيين وأصحاب الفِرق الغنائية والفنون الجميلة يعملون سائقي درجات نارية، وأنا هنا لا أستنقص من السائقين فالعمل شرف، إنما لو وجد هؤلاء الأشخاص وأمثالهم مصدر دخل يوفر لقمة العيش الكريمة لأسرهم.. لو وجدت عدالة اجتماعية لتفرغوا للارتقاء بالفنون والآداب لاهتم الناس أكثر بالفكر بمقدار طاقاتهم المهدورة، ولما أصبح الشباب والعاطلون عن العمل مشاريع إرهاب وانحطاط قيمي وثقافي وأخلاقي.
البنية التحتية للمَدَنية والثقافة في تعز تكاد تكون مطموسة تماماً لكن الكوادر وإن تناثرت ما زال في الإمكان لمها ولو هناك عمل جاد يفعل كل طاقاتهم على أرضية ثقافة لأجل الثقافة وفن لأجل الفن، وأُتيحت لهم مساحة عمل واسعة بدون أي ابتزاز مالي أو سياسي مع إعادة بناء وترميم وافتتاح المسارح ودور السينما والمنتديات الأدبية والمكتبات العاملة ومعاهد الموسيقى والفنون التشكيلية سنصل بجهودهم وبلهفة كل المتعطشين لحالة ثقافية تقدمية إلى مدينة ثقافية وعاصمة ثقافية حقيقية تصدر قيمها الجميلة لا العكس. يَجب أن تُمتدح تعز لأنها تعز وليس لأنها ريع مضمون تحصده السُلطة وتذهب إلى محافظه أُخرى لتمدح بداوتهم وأعراقهم القبلية.
إن مشروع تعز عاصمة للثقافة اليمنية مشروع جبار لو شُغل على المستوى الشعبي وعلى الأرض وليس في شريط إخباري ولا حفل ومقص وشريط، وهو مسؤولية كل أبناء هذه المدينة وكل المستثمرين والتجار والجهات الحكومية والخاصة، وقبل كل ذلك يجب أن توجد سُلطة وطنية قوية لاحتكار العنف في المدينة وفرض القانون.