حينما دقت ساعة بيج بن في لندن معلنة عن وقت محدد وذكرى محددة استجابت لدقتها ساعات أخرى في تل أبيب وواشنطن وطوكيو، وباريس، بالإضافة إلى الرياض، والدوحة، وعدد من الولايات العربية غير المتحدة، معلنة بالإجماع عن تمام اللحظة ذاتها التي تؤرشف لمرور عشر سنوات على اجتياح العراق وإسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين.
ففي الخامسة من فجر التاسع من أبريل 2003م بدأ العد التنازلي لإسقاط أمة يحتمل أنها ما تزال تدخر قيماً عظيمة أو تحتفظ بقامات بشرية غير مرحب بها في الشرق الأوسط الجديد ولم يكن النظام السياسي في العراق سوى بوابة السقوط القادم، وفاتحة عهد فوضوي جديد.
في هذا التاريخ قضت الولايات المتحدة وحلفاؤها على أسلحة الدمار الشامل الوهمية العراقية قبل أن تزحف على كل بلد يحتمل أنه ما يزال يدخر شيئاً من قيم أو قامات.. والمناسبة تستحق الاحتفال بالتأكيد، وكانت دمشق هذه المرحلة هي الساعة الاحتفالية المعدة والجاهزة لإطلاق مفرقعات العيد، وكانت أجمل أحياء العاصمة دمشق تستقبل بكثير من الجثث والدماء هدية العيد في سيارة مفخخة أعلنت بصوت بشع عن قدوم عهد جديد من الجهاد.. والجهاد المفخخ.. وتبغددت دمشق في مستهل وفادة شيطانية تمثلت في إعلان القاعدة في العراق عن هجرتها إلى الشام لدعم (جهاد) إخوانهم جبهة النصرة المرابطة في الشام.
وتتويجاً لهذه الفتوحات (المباركة) في أرض الشام أعلنت مصادر إسرائيلية عن ترحيبها بهذا التزاوج بين القتلة واجتماعهم على نعش واحد في سوريا.. وأكد رئيس القطاع الأمني في الخارجية الإسرائيلية بأن بلاده ترحب بقدوم القاعدة إلى سوريا لدعم جبهة النصرة، ولا ترى في ذلك أي مشكلة.
مضيفاً بأن حكومة بلاده ترى في تواجد القاعدة وأخواتها في سوريا انتصاراً للأهداف الإسرائيلية التي تهتم بدرجة أساس بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وهي لغة واضحة وطرح مباشر لم يعتمد حتى لغة دبلوماسية أو صيغة مرنة تحتمل أكثر من معنى.
واشنطن وتل أبيب يتحالفان مع القاعدة وأخواتها لتمرير مشروع سياسي وعسكري في بغداد عنوانه إسقاط النظام السياسي.. وتدمير (أسلحة الدمار الشامل) في سوريا.. وطالما ونحن ندرك الآن بعد مرور عشر سنوات من أسلحة الدمار الشامل.. وأنها مجرد كذبة وقحة فإننا مطالبون بمعرفة عدد من الحقائق ومنها حقيقة أحداث الـ 11 من سبتمبر الأمريكية، ومن يقف خلفها، ونستبعد كل تلك المؤشرات والأوهام التي لوحت بمسئولية القاعدة آنذاك.
أو أننا نقر باتهام القاعدة بتلك الحادثة، ولكن مع الإيمان المطلق بأن هذه الحادثة تمت بأوامر أمريكية وتوجيه مباشر بالتنفيذ خدمة لغايات وأهداف لاحقة انعكست في سلسلة جرائم أمريكية بدأت في أفغانستان ثم لم تنته حتى اليوم.
إن جميع هذه الحقائق تقود إلى حقيقة أخرى أشمل وأكثر مصداقية وهي أن تنظيم القاعدة كان وما يزال ذراعا أمريكية تستعمل عند الحاجة.. كما كان البعض يردد ذلك.
إن سلسلة الأحداث والتطورات الجديدة في سوريا تقدم للعالم الحر صوراً بشعة لسلوك سياسي وعسكري حقير في المنطقة، ومن اللافت أن كياناً سياسياً غير متمرس وحركة كالحوثية بحداثتها وقصر عمرها في المعترك السياسي تحدثت منذ وقت مبكر عن أيادٍ وأذرع أمريكية تعربد في الوطن العربي بأغطية دينية، ولم يرغب الكثير في تصديق ذلك.. وليس ذلك ما يهمنا الآن بقدر ما يهمنا التأكيد ختاماً على حقيقة لاحقة مؤادها استعداد هذا الكثير المطلق لإعلان (البيعة) لواشنطن والتسليم بكل واجباتنا نحوها فور صدور بيان عن سكرتير ثالث في زي سفارة أمريكية يعلن فيه عن اتهام حزب مثل المؤتمر الشعبي العام بالتورط في علاقة تحالف عسكري مع كوريا الشمالية وتشكيل محور للشر جديد ومسنود بأسلحة نووية من أنها قضية تبكي الصخر هذه التي نجد أنفسنا فيها كعرب في حالة من الشلل التام صوب أبسط قضايانا وأخطرها.. إن الأمة تهان وحرماتها تنتهك ونحن نجوب الخيال ونقصد اللاوعي ذهاباً إلى حيث يريد أعداء الأمة.. لا بأس ليذهب نظام بشار الأسد إلى حيث يعد له ولتسقط سوريا في قبضة الغازي الحقير، وليعلن عربياً عن منح تنظيم القاعدة جائزة السلام العربية اعترافاً بدورها في إحلال السلام في المنطقة، ولكن بشرط الإفصاح عن مصير الأموال التي تنفقها هذه الحكومات في محاربة الإرهاب، وذلك قبل أن تظهر تهمة أمريكية جديدة تضع فيها اسم المرحوم الشيخ عبدالحميد كشك، كزعيم للقاعدة وراعياً للإرهاب العالمي.