* في بلد الحكمة التي بادت بعد أن سادت.. كل شيء ممكن.. بما في ذلك كسر الحاجز النفسي بين الشعب وبين القبول بفراق عدن.. حيث يعلن نصف المتحاورين عن رغبتهم الأكيدة في الانفصال.. فيما يكتب البقيَّة على ساداتهم: لسنا انفصاليين وإن بدونا كذلك.
* ومع أن بنعمر يبشِّرنا بين الوقت والآخر بأن المجتمع الدولي يدعم الرئيس الذي بدوره يبشِّر بأننا اقتربنا من النجاح وإرساء معالم اليمن الجديد.. إلاَّ أن حقائق المشهد تؤكِّد أن اليمن ما يزال ينتظر من اليمنيين أن يخرجوه من هذه المعاناة.. وفي المقدِّمة هذا التيه في حضرة سوق الجدل الذي يستعرض أوجاع الجذور ولا يقول لنا شيئاً حول العلاج.
* عندنا حوار وفرق وقضايا وبدل يومي بالدولار الأمريكي.. لكن ذلك لا يكفي للتعبير عن وجود العافية حتى في الحوار.. ليس لطغيان النفس التقسيمي لليمن بصورة مغلَّفة تستحضر إبداع البردُّوني في حضور غزاة اليوم في صورة تبغ سجائر وسروال أستاذ وعمامة المقرئ... إلخ.. وإنَّما لوجود مخاوف حقيقية من مؤامرة قوى دفع من خلف الكواليس ومطابخ الأباليس.
* ولا داعي لأن يغضب المزايدون بحجَّة أنهم يعرفون.. فالعارف هو مَنْ يعرف جهله بأمور غابت عنه أو تجاهله لأمور لا يريد رؤيتها.. فيركبه نوع من المعرفة التي تخلق العناد.. وهي ليست معرفة وإنَّما جهل مطبق بخطورة توزيع الأدوار بين جزء يتمسرح في الحوار وجزء يوتِّر الأوضاع.
* هل يستطيع عاقل التصديق بأن هذا التقسيم المجتمعي وهذا القطع للطريق والكهرباء والأرزاق والوظائف يعبِّر عن مسؤولية سياسية؟ وهل هذا الفشل الأمني والاقتصادي مجرَّد طارئ؟ أم أنه يعكس بجلاء وجود قوَّة ترى أنها انتصرت.. وأن المزيد من الانتصار يكمن في التمدُّد على مفاصل الدولة دونما اعتبار لما يترتَّب على ذلك من تكريس مشاعر الإحساس بالغبن الذي يورث الأحقاد والتشتُّت والتشظِّي المجتمعي؟
* استمرار الفوضى والعنف اختبار لمدى كفاءة الحكومة.. وها هي تفشل.. واستمرار البحث عن حلول بالطائرة الأمريكية اختبار لمدى تمسُّكنا ببقايا سيادة.. وها نحن عند ذات نقطة التقاء الجميع حول حتمية التغيير واختلافهم حول فساد حكومي يجعل الناس يسيرون باتِّجاه التباكي على الماضي بكل خطاياه.. لأن شيئاً لم يتغيَّر إلاَّ نحو الأسوأ.. فأيّ قيمة لثورة لا توحِّد الناس.. وأيّ قدوة من معادلة تقول: المستفيدون من حكم علي عبداللَّه صالح تصدَّروا قائمة الناقمين عليه.. وها هم يضيفون على فساد الماضي الكثير من بهاراتهم الجديدة.. واللَّه المستعان.