رجال الدين مشغولون بتوافه أحقر من التي اشتغل بها أسلافهم في مرحلة التراجع الحضاري، باستثناء أن الأسلاف كانوا فقهاء من الدرجة الثانية، والمعاصرون، ليسوا فقهاء ولا حملة فقه حي.. لما أغلق باب الاجتهاد وقيدت الحريات وساد التخلف الحضاري والفكري دخل رجال الدين في بطالة عقلية، فاشتغلوا بشرح المتون وكتابة الحواشي وتفسير التفسير والولع بالغرائب.
إذا قرأوا في القرآن أن يوسف رأى أحدا عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له، دخلوا في معركة "علمية" حول أسماء الكواكب التي رآها يوسف، ويختلفون حولها، وحول من هما الشمس والقمر اللذين سجدا ليوسف؟ فريق يقول: هما أبوه وأمه، وفريق يقول: أبوه إسحاق وعمته، لأن أمه كانت متوفاة حين رأى الرؤيا.. والمسألة أن يوسف كان قد رأى ذلك في المنام وليس في الواقع.. والعجيب أنهم ناقشوا مسألة "علمية" هامة، وهي ما اسم الذئب الذي أكل يوسف، رغم أن الذئب لم يأكله، ولم يكن موجودا إلا في أذهان إخوة يوسف الذين وضعوه في غيابة الجب، وكذبوا على أبيهم. وكانوا إذا مروا على قصة أهل الكهف توقفوا طويلا عند الكلب الباسط ذراعيه بالوصيد، ما اسمه، وهل هو ضمن البهائم التي ستدخل الجنة؟!
ورجال الدين عندنا في زمن الضحالة الفكرية هذا، يناقشون قضايا لا يقوم بها عمل.. واحد يشتغل دهرا بمقاسات أبواب الجنة، والثاني يجتهد في تدعيم حديث الذبابة التي في جناحيها داء ودواء، والثالث مشغول بالترويج لأخبار الموتى الذين دفنوا قبل سنين أو عقود أو قرون ووجدت جثثهم مؤخرا طرية تقطر دماء وتفوح منها روائح المسك!
ومن ذلك حديث الخرافة الذي حدث به إمام مسجد قبل أيام عن قتلى دماج الذين وجدوا بعد سنين من الدفن سليمي الجثث رطبي اللحى تقطر منهم الدماء والمسك، وهي خرافة ينسفها حديث رسول الله القائل إن "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب"، وخرافة يردها الواقع، بدليل واقعة نبش الإرهابيين في سوريا قبر الصحابي عدي بن حجر قبل أيام، حيث لا دم ولا أعضاء.. أكله التراب.. ولما يقول الرسول:"كل ابن آدم" فلا استثناء غير ما استثناه.. عجب الذنب.
أما إذا اقتربوا من القضايا الحقيقية، كذبوا، ولفقوا، ودلسوا، وغشوا، وافتروا.. فالجندر إباحية، والمساواة بين الناس غير جائزة شرعا، والدولة المدنية مؤامرة غربية، والإرهاب جهاد في سبيل الله.