في اليمن فقط، وفي عهد حكومة الوفاق بالتحديد: واحد يضرب كهرباء.. وواحد يسقط طائرة.. وواحد يقطع طريق.. وواحد يخطف قنصل.. وواحد يفجر أنبوب نفط.. وواحد يستورد مسدسات تركية.. وواحد يحتجز قاطرات..وواحد يحطّ عبوات ناسفة في مكان مزدحم.. كل واحد يفعل ما يشتي وهو راكن إن ما أحد عيكلِّمه.. لا دولة ولا قانون.. وكل واحد "يبا يسلب، يبا ينهب، يسوي ما اشتهاه"، حسب الفنان الراحل محمد سعد عبدالله.. فالانفلات الحاصل الآن يجعل الكبار في السن يتذكَّرون سمسرة وردة.
هذه الفترة التوافقية شهدت اليمن فيها الكثير من الأحداث التي لم تعرف لها مثيلاً منذ حُكم التَّـبابعة والحميريين..
نعيشُ وضعاً قاسياً لا يترك للناس المسالمين الاحتفاظَ بسلميتهم، ولا يترك للمؤمنين بمبادئهم أن يستمروا في تمسُّكهم طويلاً بهذا الإيمان لتمضية الحياة تحت غطائه..
إنه وضعٌ يجبرك على تغيير كلِّ قناعاتك، ويضطرك للنظر إلى الحياة من منظور مختلف تماماً عمَّا كنت تعتقد أنه المنظور الصحيح، ويجعلك تتنازل عن قيمٍ كثيرة وعن تنظيراتٍ كنتَ تدَّخرها، رغم قناعتك بعدم مجيء الوقت الذي ستحتاجها فيه.
سلبونا حتى الأمان، الذي هو أجلُّ ما يبتغيه الإنسان، لأن الأمان كنز الأغنياء والفقراء معاً.. وحين يفقد الناس الأمان سيتحوَّلون تلقائياً إلى كائنات شرسة.
بعد هذه الأزمة التي مررنا بها، وما نزال نعاصر أزمات متفرِّقة وفجائعَ متوالية، ستنتهي فترة الحكومة التوافقية وقد أصبحنا بحاجة إلى طبٍّ نفسي، لنتمكَّن من نتجاوز كلِّ ما مررنا به، فالشعب بأكمله متضرِّر نفسياً، لكن الغالبية يرون في الذهاب إلى الطبيب النفسي فعلاً انتحارياً سيثبت لهم أنهم مجانين وغير أسوياء، لأنهم يجهلون أهمية هذا الطب، الذي يعتبر ضرورة قصوى لكلِّ إنسان لمساعدته على تجاوز أزماته والتراكمات التي تخلفها الحكومات على نفسيته.. وهذا ما حققته حكومة الوفاق بامتياز.