ما صار واضحاً الآن أن الإخوان المسلمين أقاموا على حياتنا حفلة شواء متعربدة، وأحرقوا حياتنا وأدخلونا إلى جحيم هولوكوست إسلامي ينذر بمزيد من التمدد والفتنة في دول كارتونية مرتقبة تبدأ من الخليج ولن تنتهي على ما يبدو خلال فترة قصيرة .
بلغ عدد الضحايا في غزو العراق التي اجتاحتها الإدارة الأميركية دون أن تنبس جماعة الإخوان المسلمين ببنت شفة مليون شهيد، وكان قائدهم الخالد صدام حسين أضحية المسلمين الأكثر تأثيراً وحزناً في تاريخ الأمة العربية المعاصر .
سمحت دول الخليج قاطبة، إضافة إلى تركيا باستخدام أراضيها لضرب الجارة الأكثر نفوذاً في المنطقة (العراق)، وخلف الغزو الأميركي البربري ضحايا هائلة في العتاد والأرواح، ونُـهبت مقدرات العراق النفطية الضخمة، وتعرضت آثارها لقرصنة صهيونية سيذكرها التاريخ بتجريم حقيقي، وفي النهاية شُـنِق صدام حسين .. وذهب مآل القادة الأكثر عناداً إلى الموت على أيدي شعوبهم أو بتعبير أدق على أيدي القادة الجُـدد الأكثر خيانة وفساداً .. ولقي العقيد معمر القذافي سبيل الشهادة على أيدي قوات الناتو بعد سنوات قليلة من إعدام الرئيس العراقي .
كل هذا ولم تفكر جماعة الجهاديين في تنظيم الإخوان المسلمين أن تلحق الضرر بالقوة الأميركية المتواجدة في العراق، أو أن تُـرسل (انتحارييها) للموت على شرفات البصرة وبغداد وأربيل .. صمت الجهاد الذي كان حقاً وواجباً وفرض عين، وخمدت أنشطة الإخوان وتكبلت الجيوش العربية بقيود الهيمنة الأميركية التي قد تفترسها إدارة البيت الأبيض الغاضبة، وتمحُـوها عن الوجود .
بعد أعوام طافت رياح التغيير الملتهب عواصم بلدان عربية واحترقت تونس بلظى حكم النهضة الذي يسعى للسيطرة على مفاصل الدولة والجيش، وفي ليبيا أصبح المستشار السابق مصطفى عبدالجليل، الذي استخدمه الإخوان كصورة لامعة لتنفيذ مهمتهم المعهودة في تدمير وطنهم النفطي، معزولاً بقانون العزل السياسي، فيما عُـزلت أيضاً (رأس لانوف) عن السيطرة الليبية الحكومية وبقيت مختلف المناطق النفطية في عهدة الفرنسيين أو الأميركيين يقتسمونها كيف شاءوا، وكان ثمن الخيانة أن تقدم طلعات الناتو مائة وخمسين ألف ضربة جوية لقوات الجيش الليبي، وعلى رأس المدن الليبية، مخلفة وراءها ضحايا أبرياء يقدرون بأكثر من مئتي ألف شهيد في محرقة الإخوان الطامعة للحكم .
يقول سيد قطب: إن فكرة "الأسلمة من القاعدة" عملية بطيئة تعترضها تدخلات السلطة والقوى الخارجية، وبناء عليه فإن الحل الوحيد هو التكفير والجهاد، وهو ما يرى سيد قطب أنه ينطبق على الحكام المسلمين الذين أهملوا الإسلام ورفضوا تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة دولة الإسلام ، فمن وجهة نظره ، كان سيد قطب يرى أنه من الواجب على المسلمين "الحقيقيين" إزالة تلك الأنظمة والتخلص من قادتها لإقامة الدولة الإسلامية، فهو يرى أن "الدعوة" لا يمكن أن تحقق ما يحققه "الجهاد" الذي عرفه بأنه مواجهة السلطة باستخدام العنف، حيث تقوم مجموعة صغيرة من المسلمين "الحقيقيين"، يمثلون الطليعة الثورية في المفهوم اللينيني، بشن حرب لا هوادة فيها على القادة المرتدين (!!)
غير أن التبرير الديني للعنف والقضاء على القادة "الكفار" لم يحقق أهدافه، بل أعاد خلق رئيس جديد جاء أكثر تشدداً وإقصاء من سلفه، وهو ما حدث في اغتيال السادات الذي أفضى لرئيس أكثر عنفاً على التنظيم الإخواني، فبرزت الفكرة العبقرية لتدمير الجيوش والشعوب والسيطرة عليها بشعارات ثورية براقة، واقتنص الإخوان المسلمين الفرصة التاريخية للاستيلاء على السلطة باعتبارهم التنظيم الأكثر حضوراً وتنظيماً، وتعاونت أميركا بكل مقدراتها وقادت مفهوم "الجهاد" الإسلامي، مثلما تبنت العنف الصهيوني وبررت لكليهما حقه في الحياة (!!)، والثورة على الظلم والاستبداد .
الوصول إلى الحكم عبر "هولوكوست" حقيقي أدخلنا فيه الإخوان المسلمون أمر لا يحتاج لهذه التناولة المحكومة بمساحة واضحة المعالم وعدد محدود من الكلمات، وعلى المهتمين بذلك دراسة الأسباب والنتائج الكارثية لإرهاب الربيع العربي الذي خلف عالماً جديداً، كان لصمود رجال الشام فيه أثر حقيقي في تغيير طبيعة المنطقة وقُـرب ارتداد الرمح إلى عمق صاحبه .. وسترون .
وإلى لقاء يتجدد .