سام عبدالله الغُـباري
بعد ذلك التقارب لم يعد هناك داعٍ لتقوية وجود "الحوثي" الذي يسيطر حالياً على محافظات الشمال اليمني- حسب تأكيدات صحفية- .. فتحول لضرورة استمراره من خنجر صنعته الدولة لطعن خاصرة النظام السياسي السعودي المستقر إلى خصم محلي تأكدت قوته بعد ست حروب خاضها مع قوات الجيش اليمني، وعزز وجوده كتنظيم بحاجة إلى عدو يضمن بقاءه، ويغذي أنصاره بمبادئ الثورية الإسلامية التي لا تُـناسب التوجه اليمني الحالي المتقارب مع النظام السعودي، في مقابل الحاجة الإيرانية لوجوده كعامل قلق دائم للوهابية السعودية.
فالصور التي بثتها قناة (العربية) الإخبارية قبل أشهر لمعسكرات "عبدالملك الحوثي" تؤكد أن المليشيا الدينية تطورت في محاكاة تنظيم وإعداد "حزب الله اللبناني" فصارت جيشاً لا يقهر.. مع محاولة إبراز عدو جديد ودائم هو (العربية السعودية) التي استطاع إعلام "الحوثي" أن يفكر فيها كغطاء مناسب لسبب وجوده على الساحة الثورية التي رفض إخلاءها وصار هو المتحكم في خيار الشارع الذي يتشكل صباح يوم الجمعة للمناداة بإسقاط النظام، معتبراً نفسه خارج إطار المبادرة الخليجية التي أفضت إلى تغيير رئيس النظام عبر انتخابات توافقية بمرشح وحيد هو عبدربه منصور هادي الذي أتاح للحوثيين 35 مقعداً في مؤتمر الحوار الوطني.
وعلى الرغم من حصول الحوثيين على نسبة مريحة لهم في قوائم الحوار الوطني إلا أنهم مازالوا يؤمنون ويحركون الشارع ويستمرون في اعتصامهم المكروه في خيام العاصمة، وهو ما ينذر بإمكانية رفضهم لمقررات الحوار أو اعتبار العدد الشعبي المسيطر على ثورية الخيام والربيع العربي قوة ضغط تساعدهم على تمرير برامجهم ورؤاهم المستقبلية للمحاور التسعة لمؤتمر الحوار الوطني.
الآن يخوض "جيش الحوثي" حرباً باردة ومقدسة لإعلان نفسه كبديل لما يُـحكى عن مطامع الجارة الكبرى.. التي قد يشتبك معها لاحقاً لإحياء فكرة الأرض المسلوبة من جغرافيا اليمن السابقة قبل أن تضمها معاهدة الطائف لأراضي المملكة، وتُـعمدها أخيراً معاهدة الإخاء في 2000م، ورغم مطلب الحكومة اليمنية السابقة بتنفيذ بنود الاتفاق الست بينها وجماعة الحوثي التي تنص على تخلي الأخير عن سلاحه، إلا أن تلاحق الأزمة السياسية الماضية وبروز قوة الخيام والاعتصام مع مطلع العام 2011م ضمن رياح الربيع العربي أوقف الضغط الحكومي وسمح لجنرالات عسكرية كانت تقاتل الحوثيين في الشمال إلى الانشقاق عن الجيش اليمني. مما مهد الطريق لجماعة الحوثي إعلان قوتها السياسية وتحكمها المتغلغل في عدد من المحافظات اليمنية، وصلت حد الانصهار مع رؤية علي سالم البيض المدعوم إيرانياً لحق المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال.
كان الفقر الذي أوصلتنا إليه السعودية مع دخول اليمن في أعباء وحدة اندماجية، سرعان ما انهارت تحالفاتها في حرب صيف 94م، وتعميق الوجود الفاسد لسلطة اللاعقاب.. أسباباً رئيسة لنمو الفكر الحوثي المسلح، إضافة لتواجد عقلية الهيمنة الفكرية الدينية من قبل نظام صنعاء الذي لم يسمح بالتعدد المذهبي المفتوح- رغم حدوده المعروفة والمتسامحة- لكنه لم يظهر كقوة توازي الوجود السني أو الوهابي كتحديد أدق.
في اعتقادي أن الدور السعودي القادم والمفترض يتطلب تقوية وجود السلطة المركزية بصنعاء، ودعم اليمن اقتصادياً بصورة فاعلة على الأرض، والتشجيع المخلص على إخراج مؤتمر الحوار الوطني بصورة فريدة لا تهضم حقوق القوى السياسية بمن فيهم (أنصار الله)، وإيجاد يمن قوي ومستقر يمثل عمق الجزيرة والخليج الدائم، ووقف التهور الجشع في دعم المحنطين السابقين من قيادات جنوبية للضغط على الرئيس هادي للقبول بخيارات جشعة في الحدود والثروة.
وإلى لقاء يتجدد.