لا شك أن العُنف،التطرف، الانحطاط القيمي والأخلاقي،الصراع الطائفي القبلي المناطقي،التكفير والإرهاب بمجملها تُشكل ملامح ثقافتنا كشعب ومرآة لواقعنا الاجتماعي، حيث الشيخ، اللص، الكمبرادور،المُفتي هم الصوت الأعلى في هذه البلاد،وهم القوى التي تُدير باسم الدولة مصالحها على حِساب الشعب الوطن، ومن صالحها أن تظل ثقافتنا كما هي، فمصالحها قائمة على تفقير هذا الشعب علمياً وثقافياً وتحييده عن عمق صراعه الطبقي حتى لا يقتص ممن يفقره مادياً ومن يسرق باسم الدين والجمعيات الخيرية والحزبية والطائفية والشرعية "الدستورية والثورية" والنظام والمعارضة خبزه وملح جبينه..
إن الثورة ليست فوضى، قد تكون كمية هائلة من السخط والألم والرغبة في إشباع الحاجة ولكنها منظمة بقيم إنسانية ونظرية ثورية..وكذلك التغيير الديمقراطي مُحال أن تصنعه مراكز القوى التي تتصارع على رغيفنا، سواء في مؤتمر حوار وطني أم في صراعها بالخنادق والمتارس.. إن التحولات في المجتمعات نحو التقدمية يقودها الفلاسفة والأُدباء والمثقفون، فهم الطليعة ومن ورائهم قوى الشعب من عمال وفلاحين معلمين أطباء وبرجوازية صغيرة ...الخ.
فأين هذه الطليعة في مجتمعنا اليمني.. لو تلفتنا فهم ما بين مُكفر ومقصيّ ومنفيّ ومسجون وملقىً في الشارع ومصابٍ بحالة نفسية ومدمن ويائس ومتقاعد تحت سن الأربعين، كما في الجنوب،وعلى هذه الحالة فإن حصيلة أي حوارات واتفاقيات ستكون توافقية خاضعة لمزاجية أطراف الصراع جافة من أي فكر وفلسفة..
(أحمد العرامي) عليه أن يُعاقر حالة المنفى، لأنه قدم لطلابه رواية لا تحبذها وزارة الثقافة ولا الجامعة ولا جبهات تنظيم القاعدة، وألف اسم قبل أحمد وألف جرح بعد أحمد، وكل من يحاول فتح شرفة نور سوف يوصد..!
(شجاع عُمر) آخر هو مُصاب بهذا الوطن، وجرمه أنه أديب وشاعر، صادفت ديواناً له لأول مرة في رصيف لبيع الكتب بشارع جمال- تعز، وأُدهشت بقصائده من ديوان "للبحر قصة وحيدة"، يومها لم أجد إلا أن أكتب منشوراً في "الفيس" لأقول كم أن كتاباتك رائعة وكم أن وزارة الثقافة مقصرة، فالديوان نشر في 2010م وأنا اليوم وجدته 2013م.. ما لم يكن بالحسبان أن أجده منذ أيام بجسده النحيل ووجه المغبر ككل مبدعينا يشكو حالته للرفاق في مقر الحزب.
حينها لم أستطع أن أقول له كم أنت رائع، كم أُعجبت بديوانك، وأنك صوت شعري مميز وأنك قدمت الكثير للأدب اليمني في دواوينك الستة التي صدرت، وإنما جلست لأسمع قصته من الإهمال وسقوط مستحقاته حتى الرعاية الصحية،من عناء المركزية وهو يحاول منذ سنتين أن يلتقي بوزير الثقافة ولم يستطع في أربع مرات يصعد بها من تعز إلى صنعاء استنفد بها كل طاقته المادية وهو المعوز-على حد قوله- من عدم المساواة والمحاباة في الوظيفة العامة، وهو الموظف من عام 2005 بوزارة الثقافة راتبه الأدنى ولا علاوات، وهو المؤلف،كتابه عن الحكايات الأسطورية "حديث الجدات" في الوزارة منذ عام2009م لم يُطبع ولم يخرج للنور.
شجاع عمر، ومهما كانت الحيثيات التي تحكم حالته إلا إنه الكادح ككل زملائه، ككل المثقفين والأدباء والفنانين والمفكرين بهذا الوطن،ملقون بالشوارع ومحملون مسؤولية الخروج بجيل واعٍ مثقف مدني حقوقي، جيل إنساني وحالتهم لا إنسانية.
إن1%مما يُنفق على الحوار الوطني لو أُنفق على هذه الطبقة من الشعب فهي كفيلة بان تُخرج المجتمع من عزلته وعقم ثقافته.. بناء الإنسان أولاً أن توفر له خبزاً وكتاباً ورجل أمن وطبيباً، ثم تبحث معه شكل الدولة فيدرالية أم قمحية.. إن الديمقراطية لا تعني للكادح أكثر من قرص رغيف، وسيكون انتقال السلطة سلمياً لو رافقته سلة خضار..!