في مصر أنت سائح إذن أنت الرجل الثاني بعد رئيس الجمهورية. الكل يقابلك بـ "تعظيم سلام" باستثناء مطار القاهرة القديم ، فهو بالنسبة إلينا نحن اليمنيين ، يستقبلنا كأمراض!(وهو فعلا احنا أمراض) لدرجة أن طيران اليمنية وأخواتها من الطائرات الجيبوتية والأرتيرية والدول المشقدفة لم يحصل لها الشرف - بعد – أن تهبط في المطار الجديد أسوة ببقية بلدان المنطقة، بينها الطيران الإسرائيلي طبعا!
وحده مطار القاهرة من يستقبل الواصلين اليمنيين بـ(على جنب يابيه) يأخذوا الجوازات كلها دفعة واحدة للفحص، ومن ثم يتم تسليمها بطريقة تشبه تسليم شهادات امتحانات آخر العام إذ تخرج الجوازات دفعة واحدة إلى يد أحد موظفي الجوازات ويبدأ بالمناداة كما لو أنه ينادي على تلاميذ في فصل :
ـ فلان الفلاني
ـ حاضر !(يجيب اليمني ويذهب لاستلام جواز سفره وهو مطأطئ رأسه لكأنه كان مواطناً تحت الاحتراز!)
لا بأس ، ليست تلك هي الزيارة الأولى التي أضمر فيها اشتياقي للنيل العظيم بسبب من تلك المعاملة ، إنني بالمناسبة أتحدث الآن عن زيارة قديمة في العام 2003، لكن شيئاً من تلك المعاملة لم يتغير، فلا يزال الحال كما هو عليه.
ولابد أنها مشاعر غير مريحة حين يعيش الواحد منا -ولو للحظات -كمشتبه به ، ويتضاعف الألم أكثر حين تشاهد صالة الاستقبال في مطار القاهرة وهي تتحول أمام الواصلين من تل أبيب إلى قشرة موز.
دعونا من ذلك الآن، سنذهب في رحلة إلى القناطر الخيرية .
المسافة من القاهرة إلى هناك عبر سفينة نهرية 3ساعات وقيمة التذكرة "6جنيه". المبلغ زهيد مع أن الرحلة كلها عبر النهر .لكن حينما تضم السفينة أكثر من ستمائة راكب شباب وشابات وأطفال وشيوخ يصير للرحلة قيمة !
من اسم القناطر "الخيرية" كنت أظنني سأصل على أناشيد ومهرجان لليتيم تعقده الحكومة تمهيداً للانتخابات .. وبدأت أتحسس كم في جيبي من الجنيهات سأصرفها صدقة على المحتاجين هناك .
ولما وصلنا بعد 3 ساعات اكتشف بكل سهولة أنني كنت المحتاج الوحيد! وبأنني أحتاج لحملة خيرية تقنعني فقط بالعودة إلى بلادي .
القناطر الخيرية مكان عادي جداً .. نستطيع أن نعمل مثله جوار (سد العامرية) بتعز .. مجموعة خيول، وعربات، وسماعات موسيقا، وثلاث إلى أربع كافتيريات وترويج سياحي وتشجيع الحريات الشخصية .. اللي يرقص واللي يغني واللي يصلي واللي يحب واللي يلعب واللي راكب دراجة نارية هو وزوجته واللي تسوق سيكل بيدل (دراجة هوائية) ، كل واحد حر ، وعند المساء -فقط- يعود كل واحد منهم إلى بيته وهو مبتهج، وقد تخلص من ضغط نفسي لو تراكم يصبح مشكلة قد تقود إلى انحراف .
العالم كله عايشين إلا نحن اليمنيين ، شعب متشنج على الدوام وحياتنا تبدو أشبه بعقاب إغريقي قديم !
وفي القناطر الخيرية قصور ضيافة كثيرة كل منها يمتلكها زعيم عربي ينزل فيها أثناء زيارته بينها قصر الرئيس السابق علي عبد الله صالح .
قالت الخيَّاله "رحمة " وهي تقودنا بعربة الحصان في نزهه : أهو ده قصر الريس بتاعكو . وفرحت كثيراً كأنما أشارت لحصتي من إرث الوالد !!
[email protected]