كلما دخلنا أسواق القات ولاحظنا ما يشبه حالة طوارئ واستنفار عرفنا أنكم متواجدون في هذا السوق.. وكلما سمعنا تفحيط سيارات ونحن واقفون أمام إشارة المرور عرفنا أنكم تضيقون ذرعاً بالبقاء لدقيقتين تحت الشمس لانتظار الإشارة، ويلتفت الناس ليروا هذا الاختراق المدجَّج والسيارات التي يتدلَّى المرافقون من أبوابها الخلفية، لتظهر أفواه البنادق، فلا يجرؤون على فتح أفواههم.
والطامة الكبرى هي أنكم تتحدثون عن المدنية، وتنوبون الشعب في مقاعد البرلمان، وتمثِّلون فئات واسعة في مؤتمر الحوار الوطني، وأين ما ذُكِرَت المدنية ادَّعيتم أنكم من أنصارها، وتحدثتم عنها بإسهاب، حتى يكاد المواطن يصدِّقكم، لولا أنه يتذكر المشاهد التي تجسِّدونها كلَّ يوم على الواقع وليس على الكراسي التي تجلسون عليها.
وحين تتحدثون عن المدنية تكونون مثيرين للشَّفقة إلى حدٍّ بعيد، ويكون حديثكم عنها غير لائق على الإطلاق، كطفلٍ يرتدي ثياب
جرِّبوا أن تدخلوا سوق الخضروات والفواكه لوحدكم، وامشوا في الزحمة واختلطوا مع الناس.. ستعودون إلى بيوتكم وأنتم تشعرون باختلاف كبير وراحة مجانية لم تقدروا على شرائها بكلِّ أموالكم.
جرِّبوا أن تقفوا دقيقتين في الجولة احتراماً لرجل المرور الذي يقف لأجلكم طوال اليوم، ولوِّحوا له بأيديكم لتعرفوا ما معنى أن نقدِّر جهود الآخرين، وتشعروا بالانتماء إلى هذا الوطن، فرجل المرور هو وجهٌ من وجوه الدولة.. ولا تقاس حضارة أيِّ شعبٍ ومستوى التمدُّن الذي وصل إليه إلا باحترام هذه الشعوب لقوانين السير.. فهل ستجرِّبونأن تحترموا هذه القوانين التي تدوسون عليها بسياراتكم ومرافقيكم وبنادقكم، لنصدق أحاديثكم عن الدولة المدنية!!