ما لا تعرفونه عن " الجحملية " أكبر وأقدم أحياء تعز، أنها ليست مجرد حارة، بل هي بلد في حارة.
تعايش فيها - منذ مطلع الأربعينيات من القرن الماضي وحتى اللحظة - أبناء الطائفة اليهودية، والعائلات التركية، والشوافع، والزيود، والسلفيين، والصوفيين، وآل البيت. إنها خليط من الأجناس، لكأنك تقرأ أسماء في برنامج ما يطلبه المستمعون، حيث: المراني، والحجاجي، وباصيد، والشميري، والآنسي، والبعداني، والخولاني، والشبواني، والحضرمي، والقدسي، والشرعبي، والمحويتي، والكوكباني، والهمداني، والعمراني، والذيفاني، والإبي، واللحجي، والبرطي، والبيضاني، والجوفي، والُمُجيديع، وفُتيني، وزيوار، والمسلماني، والمهتدي، والمتوكل، والمؤيد، والهمداني، والعريقي، والصلوي و.. جميع الأهل والأصدقاء .
إنها - على الإطلاق- أغزر أحياء اليمن وأكثرها تنوعا وفقرا في الوقت ذاته، ياللخسارة.
في الجحملية البيوت متلاصقة، واليمن كلها تعيش ههناك. وجميع المساجد فيها كانت تؤذن لله وحده.. وتصلي لله وحده.. والناس حبايب، والبيت اللي يعمل خبز، يتذوقه آخر جار في الحي.. والأسرة التي يموت لها أحد، تسمع تراتيل العزاء في آخر بيت على الشارع.. والشاب اللي يتزوج هناك، تنتط من نافذة كل البيوت أغاني الفرح، و"الملطام" الذي أعمى عيوني ذات يوم وأنا غلام أنط من فوق سور المدرسة " هاربا" للعب، لم يكن لأحد أقربائي، بل " صنجني " به جاري العاشر، وسحبني من يدي عائدا بي إلى الفصل وأنا أبكي، ومن يومها وأنا احترم تلك اليد وأقدس الجار لكأنه " النبي".
تراجعت كثيرا ظروف الناس في هذا الحي الكبير بناسه وبتعايشهم الحميم، ولم يتراجع الحب فيه إلا مؤخرا بسبب صراعات سخيفة وهبلا قيل لنا - وللناس هناك - بأنها من صلب الدين، وأنها من أجل الله ؟!
أيها الطيبون الأنقياء، لله سبحانه لا يحب أن يتقاتل الجيران فيما بينهم من أجل مئذنة يتصارع عليها أنصار " مقبل الوادعي " وأنصار " الحوثي " وكلا الفريقين – طبعا- وجدا في هذا الحي الفقير موطيء قدم مغر، وسيحملان أولئك الشباب الطيبين و"العاطلين" إلى الجنة، وكأن الجنة هرولت إليهم على انقاض فرن الكدم ؟!
الخلاصة أن إيران والسعودية قدهم " يتلابجوا" في الجحملية ! وكل طرف، عبر ممثليه في اليمن " يخدف له" حزمة شباب سيصيرون عضلات مطيعة له، خصوصا وأنه يتم أخذ الشباب في رحلات متكررة موزعة على مراكز دينية في "دماج" وفي "مران" ، ومثلهن "جامعة الإيمان" على أن جميعها – في الأساس- مراكزا لا تنمي الهوية الوطنية أو تعلي من شأن الإنسان، بل تنمي أفكارا أحادية لا تخدم الدين، ولا تخدم المجتمع، ولا تخدم الوطن، ولا الإنسانية معا، واللي ما يشتري يتفرج .
وبالتأكيد – طبعا- فإن حالة الفراغ المتراكم الذي يعيشه أبناء هذه الحارة الفقيرة – تماما كغيرها من أحياء اليمن- وغياب المناشط الثقافية والمعسكرات الصيفية، وانعدام المشروع الوطني الحاضن للجميع ، وانشغال رأس المال فقط بـ " قشقشة الزلط"، وإهمال العقول المثقفة وقهرها وجدانيا من الداخل، كل ذلك شجع – ولا يزال يشجع- جميع الأطراف المتصارعة دينيا وسياسيا ومذهبيا على التسرب إلى صفوف ذلك المجتمع المتجانس، وضرب السلم الاجتماعي فيه (الأمر مشابه تماما لما حصل في حي الزراعة بصنعاء) مستغلين فقر الناس، ما جعل من هذا الحي المتنوع يشهد منذ أشهر بوادر صراع مذهبي يغلي على مهل - وصل الأسبوع الفائت - وقبله أيضا إلى حد العراك داخل المساجد وربنا يستر .
فخامة الأخ المشير / عبد ربه منصور هادي.. رئيس الجمهورية.. حياكم الله ورعاكم ..
معالي وزير الشباب والرياضة الأخ / معمر الإرياني.. حياكم الله ورعاكم ..
معالي وزير الأوقاف، الأخ / حمود عباد.. حياكم الله ورعاكم..
معالي محافظ تعز، الأخ / شوقي هائل.. حياكم الله ورعاكم ..
ذاك الذي يحصل " في اليمن الصغرى " الآن مؤشر خطير جدا ينبغي سرعة تلافيه قبل أن يتحول - في وقت ليس ببعيد - إلى كارثة مذهبية ستضر كثيرا بالسلم الاجتماعي بين الناس، خصوصا في ظل استمرار لهاث الخصوم الدينيين والسياسيين على استقطاب الشباب "العاطلين" مقتنعين ومطمئنين بأنه ما فيش دوله أصلا، واللهم إني بلغت،، أهه .
[email protected]