نظرية المؤامرة، الإجابة الإخوانية الجاهزة دائماً، والتي تبدو مستهلكة ومتهافتة أكثر مما ينبغي، قد تحمل قدراً من الواقعية، ليس في تفسير سقوط الجماعة، بل في وصولها إلى السلطة قبل أكثر من عام، لست واثقاً، ولكن لا بد أن هناك من يكره الجماعة جداً ويعرفها جداً، حرَّضها على المشاركة في الانتخابات، ودفع بها إلى سدَّة الرئاسة مرة واحدة.. و.. و.. و.. ومن ثمَّ إلى الإفلاس والفشل والسقوط المريع..!
أمَّا من هو هذا المتآمر الخطير، فيعرفه المرشد جيداً، وأياً كان الأمر، فقد كان هذا المتآمر يعرف أن الجماعة منذ البدء جماعة مغلقة انعزالية، أقرب للهجرة منها للوطن المشترك، وظلت كذلك مطولاً، كان هذا الأمر يخصُّها بدرجة أساسية، لكنها عندما تتسلَّم السلطة سيصبح هذا الانعزال والانغلاق قضية عامة تمس الجميع وتتضرر منها المؤسسات والفئات والشرائح والتيارات والأفراد.. كان يعرف ذلك، ويعرف أن الجماعة ستقع في شرك عدائها للشراكة والمشاركة.
تلفُّظ الرئيس مرسي بالمصطلح الفاشي "الفلول"، كان أولى الرسائل الواضحة بمصادرة الحياة السياسية باعتبارها غنيمة حرب، وأسلاب فيد، كما هو بمثابة حكم بإنهاء الحياة السياسية لشرائح واسعة من الشعب، أُلحق بها ثوار يناير..!
قبول الرئيس مرسي بوصف الشيعة بـ"الكفرة" في قناة فضائية، يعني تبنيه لنزعة طائفية دينية من شأنها مصادرة مواطنة وحقوق كثير من الشرائح المصرية المختلفة في المذهب والدين والعقيدة.. كالشيعة والمسيحيين، بجانب كونه أبرز الدلائل على التضحية بالمدنية في مذبح المرشد الديني.
معالجة الجماعة لملف الاقتصاد بالتضييق على الاستثمار، وتطفيش رؤوس الأموال، والارتهان بالربا للبنك الدولي والدائنين، يفهمها المواطن العادي والمثقف وكأن المرشد حرَّم البيع وأحلَّ الربا، وضاعف تبعات الأزمة الاقتصادية..!!
محاولة تدمير الجماعة للمؤسسات المدنيَّة المستقلة العريقة كالقضاء، والجيش، ليس أكثر من مقدمة لدولة ثيوقراطية تفتيشية طالما ضاجع الإخوان أحلامهم بها..
عام كامل في السلطة، لأي طرف حاكم، هو فترة أكثر من كافية لإرسال رسائل إيجابية لكلِّ الأطراف والجهات بوطن ومستقبل سياسي يتسع للجميع، وطمأنة الشعب بأن مرحلة أفضل بدأت في الشروع..
لكن ما حدث، أن جماعة الإخوان نجحت بامتياز خلال عام واحد، في استعداء الجميع، وإقصاء مختلف الأطراف، وفهمت كافة المكوِّنات رسائلها السلبية المقلقة على المستقبل والوجود، وكان هذا وراء الاصطفاف الشعبي منقطع النظير، ضد شمولية واستبداد لم تعرفه مصر حتى في تاريخها الفرعوني البعيد.