اليمن اليوم.. ميدل ايست أونلاين
من يعتقد أن الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتخبَّط فيها تونس مند أشهر انتهت باستقالة حكومة القيادي في حركة النهضة علي لعريِّض فهو إما يجهل الوضع العام بالبلاد أو يتجاهله. ورث مرشح الحكومة التونسية المرتقبة مهدي جمعة تركة ثقيلة قادت البلاد إلى تخوم ثورة ثانية قد يقودها مجدداً الفقراء والمحرومون دفاعاً عن حقهم في التنمية والشغل، وفي أبسط مقومات العيش الكريم. ويبدو أن جمعة، المهندس والخبير، على وعي بأن حكومة حركة النهضة الإسلامية سلمته "ملفات مفخخة" قابلة للانفجار في أية لحظة أكثر مما سلمته "فرصة سياسية" لتشكيل حكومة من الكفاءات غير المتحزبة لتدير شؤون البلاد حتى إجراء الانتخابات خلال العام الحالي 2014. ويعدُّ الملف الاجتماعي من أهم "الملفات المفخخة" التي تستوجب من حكومة جمعة معالجتها والتعاطي معها، في وقت تسود حالة من الاحتقان والغليان أوساط فئات واسعة من المجتمع، وفي مقدمتها الفئات الهشَّة التي تعرضت خلال حكم النهضة إلى عملية تفقير أجَّجت حركات الاحتجاج في مختلف الجهات والمدن. فقد أظهرت تقارير اجتماعية أن نسبة الفقر العامة في تونس ناهزت 30 بالمائة، نتيجة تعرض الفئات الوسطى إلى التهميش الاجتماعي، في وقت احتلت فيه تونس المرتبة الأولى في بلدان المغرب العربي من حيث ارتفاع نسبة الثراء لتبلغ 16.2 منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي في يناير 2011. وأشارت نفس التقارير إلى أن 20 بالمائة من التونسيين يستأثرون بـ 80 بالمائة من الثروات، ما يؤكد أن المجتمع التونسي يعيش اختلالاً مجحفاً بخصوص توزيع عائدات الخيرات، وتمزّق أوصاله حالة من التفقير ضربت الطبقة الوسطى، مقابل بروز أثرياء جدد مستفيدين من تفشي ظواهر التهريب والاحتكار والمضاربات. وخلال الأسابيع الماضية قاد الفقراء والعمال وصغار الفلاحين انتفاضة شعبية ضد الحكومة، محتجين على توظيف ضرائب جديدة على سيارات نقل المنتجات الزراعية، غير أن المراقبين أشاروا إلى أن الانتفاضة تعكس الغضب الشعبي نتيجة حالة التفقير التي تتعرض لها الفئات الهشَّة في المجتمع. قبل أن تتولى حركة النهضة الإسلامية الحكم في أكتوبر 2011 كان الفقر يعشش في الأحياء الشعبية المتاخمة للمدن وخاصة تونس العاصمة، وفي عدد من الجهات الداخلية التي تفتقد للثروات الطبيعية، لكن اليوم استشرى الفقر بصفة لافتة لدى شرائح من المجتمع كانت تصنف ضمن خانة الطبقة الوسطى، مثل الموظفين والأجراء والعمال. ويقول الخبراء في التنمية الاجتماعية إن تردي الأوضاع الاقتصادية وما يرافقها من انخفاض في نسبة النمو الاقتصادي وارتفاع في نسبة التضخم، إضافة إلى توقف المئات من مؤسسات الإنتاج، ساهم بشكل مباشر في ظهور فقراء جدد من الموظفين والأجراء، وهو ما يعتبر خطراً حقيقياً على المجتمع.