اليمن اليوم..العرب أونلاين
حين تدخل قوى سياسية معترك العمل السياسي مدججة بطائفة من الفتاوى، فإنها تفسد المجالين؛ مجال الفتوى بأن زجت بها في مجال إدارة المعاش، وتفسد كذلك المجال السياسي بأن صنعت "تفوقا" وعدم توازن بين الفاعلين، ليصل الأمر بالضرورة إلى توزيع صكوك الغفران وشهائد ثبوت الأهلية الإيمانية بين الناس وما يترتب عن ذلك من تكفير وإقصاء ووصم بالعار. نستحضر في هذا المبحث أن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع قال في رسالته الأسبوعية أمام معتصمي رابعة العدوية وقبل القبض عليه بأيام قليلة، "أقسم بالله العظيم أن ما قام به السيسي في مصر بعد الإطاحة بالرئيس الشرعي هو أكثر إجراماً من هدم الكعبة"، ولم يكتف المرشد العام بذلك بل أصدر فتوى لمؤيديه بالخروج إلى الجهاد ضد قوى "الانقلاب والظلام وحلفائهم" حسب زعمه. القرضاوي رائد الفتاوى المسيسة لم يشذ فقيه الإخوان الأكثر شهرة وصخبا وإثارة للجدل يوسف القرضاوي عن الإدلاء بدلوه في توظيف آرائه "الإسلامية" في صورة فتاوى ضد النظام السياسي المؤقت، حيث اعتبر طلب السيسي من الجماهير النزول ليحصل على تفويض لمواجهة الفوضى والإرهاب المحتمل، دعوة إلى التحريض على قتل مؤيدي الرئيس مرسي وجماعة الإخوان، وقال "حرام" خروج الشعب لتفويض الرجل بقتل نفس بشرية، بالإضافة إلى أن القرضاوي لم ينس الدستور الجديد للبلاد الذي وافق عليه الشعب، وأصدر فتوى لمؤيدي الإخوان بحرمة الالتزام بدستور "الانقلابيين"، أو الصمت على سريان نصوص الدستور أو قوانينه القادمة عليهم. في هذا الصدد علّق أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف قائلا: "إن توظيف الفتوى الدينية في الوقت الحالي يعتبر خدمة لأهداف سياسية، وكل طرف يحاول تبرير ما يفعله من قتل ودماء بفتوى دينية، استقراراً للنفس البشرية بصبغة دينية، ودعماً لمواصلة العنف والفوضى، وحتى إن كان شيوخ الإخوان لديهم ما يؤهلهم لمثل هذه الفتاوى فإنهم سيتحملون أوزارها أمام الله يوم القيامة، موضحاً أن الدولة عليها أن تواجه الإرهاب والفوضى والعنف بالطريقة التي تراها، ومن يرفع السلاح على الدولة يستحق القتل، لأنه يكون ضمن نطاق الآية القرآنية "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْض"، وإذا كانت الدولة مسؤولة على حماية المواطنين وتوفير الأمن، فإنه من الخطأ أن يتم إقحام شيوخ الأزهر في إصدار فتاوى بنكهة سياسية. فتاوى «الجهاد ضد الدولة» وأشار سالم عبد الجليل مستشار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إلى أن الخطاب الديني في مصر أصبح يحمل عديد الظواهر السلبية، فجماعة الإخوان المسلمين- مثلا- تعتمد على شيوخها لنشر الفوضى والعنف بحجة أنهم في "جهاد ضد الدولة" بعد عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم. وللأسف اختلف المنظور والرؤية الإسلامية، وبات الإسلاميون يستخدمون فتاواهم لحرق المجتمعات وبث روح العنف في نفوس مؤيديهم. ولفت عبد الجليل إلى أن كل هذه الاشتباكات بين الفصائل السياسية المتنافسة لا علاقة لها بالدين أو الإيمان في شيء، نظراً لأن الدين يسمو فوق هذه الخلافات التافهة والضغائن الماكرة، أو على الأقل هذا ما ينبغي أن يكون عليه الدين داخل قلوب هؤلاء المشايخ، فإذا كانت حقيقة الأمر أن الأزهر هو من يفترضُ أن يتكلم نيابة عن الإسلام، فإن بعض شيوخ الأزهر دخلوا لعبة فوضى الفتاوى، بعد أن نجح شيوخ الإخوان في توريط كبار علماء الأزهر في إصدار فتاوى لأغراض سياسية.